أخبارمقالات
أخر الأخبار

الانتخابات ومشروع بناء الدولة

كتب علي الخفاجي: مررنا نحن العراقيين بسنوات عصيبة جراء الانتقال من وضع إلى آخر، حيث عشنا في فترة ديكتاتورية مظلمة اتسمت بالقسوة والخوف، وولدت شعباً مقهوراً يعيش أسوأ حالاته بمختلف النواحي، الأمر الذي أثر فيما بعد في ذات الشعب، حيث وبعد سقوط النظام ونتيجة اختلاف الأحوال والانتقال إلى الحرية غير المشروطة والفوضى العميقة، جعلت تلك الأمور من تقلبات مزاج الفرد العراقي تصل إلى مراحل متقدمة نتيجة التأثيرات السابقة والاضطرابات اللاحقة.

وبين هذا الأمر وذاك، وبعد الشد والجذب، والاتهامات المتبادلة بين الأطراف السياسية، والملاحظات الكثيرة التي دونت من قبل المهتمين بالشأن الدستوري، وبعد ولادة عسيرة للعملية السياسية، تمخضت عنها ولادة أول دستور ديمقراطي، إلى أن وصلنا إلى مرحلة الانتخابات النيابية، والتي لم يشهدها البلد من قبل بمثل هكذا أجواء تسودها الحرية والديمقراطية، الأمر الذي طالما حلم به العراقيون لعقود من الزمن.

شأنها شأن أي تجربة جديدة، مرت الانتخابات بكثير من العراقيل التي هددت إجراؤها نتيجة الأجواء السياسية المعتمة والاعتراضات المستمرة التي شهدتها تلك الفترة، إلا أن الانتخابات قد جرت في موعدها المحدد في كانون الثاني / ديسمبر من عام 2005، وهي تعد أول انتخابات ديمقراطية يستطيع المواطن فيها اختيار من يراه مناسباً دون الإجبار على انتخاب القائد الضرورة كما في السابق.

ضريبة الديمقراطية التي جاءت بعد 2003 لا نزال ندفع فواتيرها لأسباب عديدة لعل أهمها؛ أن الديمقراطية وفق المفهوم السياسي يجب أن تمر بمراحل ومستويات متسلسلة كي يستطيع المجتمع من خلالها هضم ذلك المفهوم، وبالتالي وبعد فترة من الزمن نتيجة تمرسه لهذه التجربة يستطيع أن يمارس حقه الدستوري بمستوى عال من المسؤولية.

وهنا وبما أن الأمر كذلك ووفقاً للمفهوم العام، لم يستطع أحد وعلى مدار العقدين الماضيين أن يفهم المواطنين بأن الانتخابات ليست لحظة عابرة يدلي فيها الفرد بصوته فقط، ويتخلى عن كل ما من شأنه التأثير في القرار السياسي، بل عليه أن يعلم أنها عملية تراكمية من الوعي والاستقرار لإبداء رأيه بحرية، وبالتالي يشعر بقيمته كفرد منتج وفاعل في المجتمع، وأن صوته له تأثير كبير في صناعة القرار.

مسؤولية الفرد والدولة هي مسؤولية تضامنية لإنجاح مثل هكذا مشروع، حيث لا يمكن فصل أحدهما عن الآخر، وبالتالي إذا ما توفرت الإرادة السياسية الحقيقية من أعلى المستويات من خلال تهيئة قوانين انتخابية عادلة، وحرية مطلقة غير مقيدة، يقابلها وعي مجتمعي يؤمن بقيمة المشاركة الفعالة في الانتخابات، يمكن بهذا الأمر أن تصبح الانتخابات مشروعاً لبناء دولة متحضرة.

ومن هذا المنطلق، وكون المسؤولية تضامنية بين المرشح والناخب، لا بد للقوى السياسية من دون استثناء أن تعمل على إنجاح الانتخابات القادمة من خلال زيادة الوعي للناخبين، والتشجيع على المشاركة الفعالة، وحث مرشحيها على تقديم برامج انتخابية حقيقية لبناء الدولة، وكما عليها أن تقدم مشروعاً حقيقياً لمواجهة الأزمات الداخلية والخارجية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى