مقالات
أخر الأخبار

بغداد منارة الأمل

كتب عبد الكريم حمادي، رئيس شبكة الإعلام العراقي.. بعد غيابٍ استمر سنواتٍ، تعود بغداد لتتبوّأ موقعها كنقطة التقاءٍ تجمع القادة العرب في لحظةٍ تاريخيَّةٍ تستعيد فيها مجدها العريق، وتفتح آفاقاً جديدةً لأمَّةٍ تواجه أزماتٍ معقّدةً ومتشابكةً تنسج خيوطها من فلسطين التي تكابد تحت وطأة الاحتلال، إلى أزماتٍ في سوريا واليمن ولبنان.

تبرز بغداد اليوم كمنارة أملٍ تُذكّر الجميع بأنَّ الوحدة ليستْ مجرَّد شعارٍ يختبئ خلف الكلمات بل هي مصيرٌ لا مفرَّ منه.

العراق الذي اختبر مرارة الحروب والصراعات والاحتلالات، تحوَّل اليوم من عنوان أزمةٍ إلى نموذجٍ للصمود والنهضة، إذ لم تأتِ هذه اللحظة من فراغ وإنما هي ثمرة تضحياتٍ جسامٍ وإرادةٍ قويةٍ رفضت الاستسلام لعواصف المحن، فقد بنى بلاده على قواعد متينةٍ تجمع بين الحفاظ على السيادة والانفتاح الذكيِّ على محيطه العربيِّ والدوليِّ، ليُصبح منصَّةً للحوار بدل ساحةٍ للصراعات.

تشهد البلاد تحوّلاتٍ وتحدّياتٍ تلامس حياة مواطنيها، فبغداد التي ظلّت لعقودٍ تعاني انعدام أبسط مقوِّمات الحياة، تشهد اليوم ولادةً جديدةً عبر مشروعاتٍ عمرانيَّةٍ ضخمة، وتُعيد وصل أواصر المحافظات، وتتفتح أبواب الجامعات التي تستعيد مكانتها في تصنيفاتٍ عالميَّة.

على الصعيد الاقتصاديِّ لم يعد العراق رهين عائدات النفط فحسب، بل شهد تنوّعاً ملحوظاً عبر تطوير القطاع المصرفيِّ وارتفاع وتيرة الشمول الماليِّ مع عودةٍ متجدِّدةٍ للاستثمارات الأجنبيَّة في قطاعات الطاقة والبناء ومشاريع الربط الكهربائيِّ والنقل الجويِّ لآفاق التعاون الإقليميِّ.

كلُّ هذا ما كان ليتحقق لولا وجود قيادةٍ حكيمة، برئاسة السيّد السودانيّ، استطاعتْ أنْ تقود البلاد إلى برِّ الأمان، وتُعيد للعراق مكانته المستحقة في محيطٍ إقليميٍّ يشهد تحوّلاتٍ جيوسياسيَّة عميقة، حيث تواصل بغداد أداء دورها كـ”قوّة توازن” تحافظ على مصالحها الوطنيَّة، وتُدير علاقاتها مع مختلف القوى الإقليميَّة والدوليَّة بمرونةٍ وحذر، من دون الانحياز لطرفٍ على حساب آخر، وهو ما يعكس نضجاً سياسيّاً متصاعداً ووعياً متقدِّماً بمقتضيات المرحلة وتوازنات المصالح.

ليست القمَّة مجرَّد تجمّعٍ رسميٍّ بل هي مناسبةٌ تُعيد رسم خريطة العلاقات العربيَّة وتُعزّز فرص التعاون المشترك بين الدول لتتحوَّل الكلمات إلى أفعالٍ والشعارات إلى مشاريع تتعانق فيها الطموحات الوطنيَّة مع الرؤية الجماعيَّة للنهضة، إذ تفتح اللقاءات على هامش الحدث أبواب الشراكات في مجالات الطاقة والنقل والاتصالات في حين تُشكّل قضايا الأمن المائيِّ ومكافحة الإرهاب وتنظيم الهجرة تحدّياتٍ مشتركةً تتطلّب جهداً عربيّاً موحَّداً.

عراق اليوم هو نموذجٌ للانتعاش والنموِّ من تحت الركام، ورغم كلِّ العراقيل أثبت الشعب أنه قادرٌ بإرادته على صناعة مستقبلٍ جديدٍ يُضيء طريقه للأشقّاء في مناطق تشهد اضطراباتٍ مستمرَّة.

وفي الختام تروي قمَّة بغداد حكاية عودةٍ لمدينةٍ ولشعبٍ توّاقٍ لاستعادة مكانته التي استحقّها عبر التاريخ، وتُعلن أنَّ الوحدة والتضامن هما السبيل الوحيد لتجاوز المحن والصعاب، وأنَّ العراق الذي وقف شامخاً أمام العواصف ما زال ينبض بالأمل ليكون بوصلةً للأمَّة نحو غدٍ أكثر إشراقاً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى