مقالات

رأس المال البشري والهبة الديموغرافية

كتب عبد الزهرة محمد الهنداوي: شهد رأس المال البشري في العراق خلال العقود الأخيرة نمواً لافتاً، إذ تضاعف حجمه في أقل من ثلاثين عاماً، بعد أن تجاوز عدد السكان أكثر من 46 مليون نسمة، مدفوعاً بتوسع الفئات العمرية النشطة اقتصادياً التي تجاوزت نسبتها اليوم 60 بالمئة من مجموع السكان، وهم الأفراد بين 15 و63 عاماً، مع استقرار نسبي لسكان الحضر والريف.

وفي الوقت نفسه، ورغم تراجع نسبي في نسبة الأطفال، فإنهم ما زالوا يشكلون نحو 37 بالمئة من السكان، ما يجعلهم الامتداد الطبيعي لرصيد رأس المال البشري في السنوات المقبلة.

هذا التحول في البنية العمرية للسكان وضع العراق أمام فرصة مهمة، تُعرف بـ “الهِبة الديموغرافية”، وهي المرحلة التي يكون فيها عدد القادرين على العمل أكبر بكثير من عدد المعالين من الأطفال وكبار السن، وتشير البيانات إلى انخفاض واضح في معدلات الإعالة، إذ بلغ معدل إعالة الأطفال 59، وكبار السن 6 فقط، مع توقع استمرار هذا الانخفاض خلال العقود القريبة المقبلة، في ظل توقعات بتراجع نسبة النمو السكاني لتصل إلى ما دون الـ2 بالمئة.

ووفقاً لهذه المعطيات، فإن العراق بات يمتلك فرصة تنموية استثنائية لتحقيق نمو اقتصادي أسرع، ولكن شرط استثمار هذه الهبة عبر سياسات فعّالة في التعليم والصحة والعمل والتمكين الاقتصادي، ومواجهة الصدمات.

ومنطقياً، إن أي شكل من أشكال الرأسمال (بشرياً كان أم مادياً)، لا يمكن أن يستمر ويزدهر من دون تنمية ورعاية حقيقية، وهذا ينطبق تماماً على رأس المال البشري، الذي يتطلب أكثر من المادي، سياسات واضحة واستراتيجيات مدروسة لتعزيزه واستثماره بالشكل الأمثل، بما يضمن الاستفادة القصوى من المرحلة الديموغرافية الحالية، غير أن صياغة السياسات وحدها غير كافية، فالتحدي الحقيقي يكمن في تطبيقها وتنفيذها عبر مشاريع واقعية، خاصة في مجالات التعليم الذي يمثل الأساس في بناء القدرات البشرية، ويوازي التعليم في الأهمية قطاع الصحة، فضلًا عن ضرورة توفير فرص عمل حقيقية تستثمر طاقات الشباب، وتمكينهم اقتصادياً.

فإن مثل هذه السياسات المتكاملة قادرة على تقليص نسب الفقر والبطالة، وتحسين مستوى المعيشة، وتمكين العراق من تحويل نافذته الديموغرافية إلى قوة إنتاجية راسخة تُسهم في دفع عجلة التنمية والإصلاح إلى الأمام وبنحو مستدام.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى