الانقسام الانتخابي في العراق: بين المشاركة وخيار المقاطعة

كتب الشيخ سالم عجمي الاسماعيلي.. في كلّ تجربة ديمقراطية انتخابية، ينقسم الناخبون عادةً إلى اتجاهين رئيسيين: فريقٌ يؤمن بأنّ المشاركة في الانتخابات واجبٌ وطني لا ينبغي التفريط به، وفريقٌ آخر يعتقد أنّ الدخول في العملية الانتخابية لن يغيّر شيئاً من الواقع السياسي، بل قد يزيده سوءاً وتعقيداً.
وفي التجربة العراقية، ولا سيّما في الانتخابات الأخيرة، تجلّى هذا الانقسام بصورة واضحة. فقد اختار عدد كبير من الناخبين – وهم النسبة الأكبر نسبياً – الانخراط الواعي والواسع في العملية الانتخابية، إدراكاً منهم لأهمية ممارسة حقهم الدستوري، والمساهمة في اختيار ممثليهم، وصناعة القرار، وتحمل مسؤولياتهم الوطنية في بناء الدولة وتقويم مسارها.
في المقابل، فضّل آخرون مقاطعة الانتخابات، معتبرين – وفق تصوّرهم – أنّ العملية لا تتجاوز إعادة تدوير لوجوه سياسية لم تقدّم ما يُنتظر منها. ورغم أنّ الامتناع عن التصويت هو حق مشروع وشكل من أشكال الاحتجاج، إلا أنّ أثره العملي يتمثّل في التخلي عن التأثير وترك مساحة صناعة القرار للآخرين، وبالتالي قبول النتائج – بشكل مباشر أو غير مباشر – مهما كانت مخرجاتها.
إنّ قوة الديمقراطية لا تُقاس فقط بنسبة المشاركة، بل بقدرة المواطنين على إدراك قيمة صوتهم، والوعي بأنّ التغيير يبدأ بخطوة، وأنّ ترك الساحة للآخرين يعني عملياً التنازل عن الدور والقرار والمستقبل.



