مقالات
أخر الأخبار

“الترامبيَّة” بين البراغماتيَّة وزلّة اللسان

كتب محمد شريف أبو ميسم.. في مقال لنا، حمل عنوان “ ما حصل وسيحصل قراءة في الظاهرة الترامبية” نشر في جريدة الصباح في السابع والعشرين من كانون الثاني الماضي، تحدثنا عما يشبه الظاهرة الترامبية في تاريخ الولايات المتحدة الذي لا يتجاوز عمقه أكثر من 250 سنة، وأشرنا إلى “الجاكسونية” نسبة إلى الرئيس الأمريكي “أندرو جاكسون”، الذي حكم الولايات المتحدة للفترة من (1828 إلى 1832)، واتسمت فترة حكمه، بصعود الحركات الشعبوية المعادية للملونين وفقا لباحثين في الشأن الأمريكي.

وبحسب أحدهم ويدعى “والتر راسيل ميد” وهو باحث سياسي وصحفي أمريكي، ويتفق معه “ادوين كينت موريس” وهو باحث وسياسي “أن الجاكسونية تقدم السابقة التاريخية، التي تفسر الظاهرة الترامبية في ما يتعلق بازدراء القاعدة الشعبية والشك العميق في العلاقات الخارجية والهوس بالسلطة والسيادة الأميركية”، اذ يعتقد ميد أن هذا الامتداد الشعبوي يمثل “الرغبة الأميركية بوجود شخصية جاكسونية”.

ومن وجهة نظر موريس، فإن الترامبية “تتشاطر مع فصيل ما بعد الحرب العالمية الأولى، الذي خلق حركة ارتداد شعبوية لتغير الطبيعة العرقية في أميركا”.

وعلى هذا فإن البراغماتية ليست لها صلة بالظاهرة الترامبية كما يتوهم البعض، لأن البراغماتية منهج يرى في النتائج العملية للأفكار والسلوكيات السياسية معيارا أساسيا في التعاطي مع المواقف، بينما تتشح الترامبية بوشاح التفوق والإعلان صراحة عن هذا التفوق، وتسويقه إلى الرأي العام العالمي بوصفه دالة على تبعية الشعوب والأجناس والأعراق الأخرى، بما فيه الحلفاء بحسب السلم الهرمي لسيادة الأمريكان.

وحين يظهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بخلاف ذلك، وهو الذي عرف بتصريحاته اللاذعة وتلويحاته المثيرة للجدل مع حلفاء الولايات المتحدة قبل أعدائها، فانه لا يبدو براغماتيا، ما يجعل حضوره المخالف للظاهرة التي ارتبطت باسمه واتسعت وفقا لمتبنياته، أشبه بحضور من يظهر خلاف ما يبطن، اذ يتظاهر بالتودد على غير عادته، ويبدو لطيفا بما لا ينطوي عليه القلب.

والترامبية بعد أن تبنت شعار “أمريكا أولا” في الدورة الرئاسية الأولى للرئيس “دونالد ترامب” وتبنت محتوى التصريح الذي لوح به الرئيس في الثاني والعشرين من أيلول 2019، والذي قال فيه “سأقول على منبر الأمم المتحدة إن الولايات المتحدة هي أعظم دولة في العالم”. جعلت هذا العالم يقف على قدم واحدة وأعادت إلى الأذهان، ما عرف عن الهتلرية التي رفعت شعار “ألمانيا أولا”.

وحين ألغى الرئيس عددا كبيرا من الاتفاقيات الدولية ذات الصلة بالسلام والحفاظ على المناخ والتوازن العسكري، تصاعدت الشعبوية بين أنصار ترامب، الأمر الذي أسس لتغيرات كبيرة في نظام هجرة الملونين إلى الولايات المتحدة وأسس لإصدار قوانين تحد من منح حق اللجوء في الولايات المتحدة، وبهذا الصدد نذكر بتصريح الرئيس ترامب في مطلع تشرين الثاني 2018 والذي هدد فيه بإطلاق النار على المهاجرين من أمريكا الوسطى.

بمعنى أن الترامبية كانت أقرب إلى التعسفية في أوضح تجلياتها، وهي أقرب إلى السلوك المتطرف حين يدعي الامساك بالحقيقة، ولا يأبى التناحر حتى وهو ينوب عن الآخرين، على خلاف البراغماتية القائمة على الضد من الموثوقية واليقينية الجازمة، اذ لا مكان في البراغماتية للادعاءات النهائية، أو الإمساك بالحقيقة، والبراغماتي يبقي على الأبواب مفتوحة، ولا يغلقها تحت التهديدات أو التوقيتات الزمنية.

وعلى هذا فإن الشكل الجديد للترامبية، التي تخلت عن فرض الاملاءات على الدول الحليفة التي تدفع الأموال في الشرق الأوسط، في وقت تنتقد فيه السياسات الداخلية لبعض حلفائها في الاتحاد الأوروبي مثلما تنتقد غرماءها التقليديين، هو أقرب لما يسمى بالمداهنة، إذ تظهر الترامبية خلاف ما تضمر، ولكن رئيسها قد يقع بزلة لسان، ليعلن على الملأ، ان (من لا يتقلبون ليلا هم من لا يأخذونك إلى أرض الميعاد) وأرض الميعاد هذه بحسب السردية الصهيونية تمتد من النيل إلى الفرات.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى