
كتب علي الخفاجي.. كثيراً ما تحدثنا عن الأسلوب الدعائي والإعلامي الذي ينتهجه الكيان الصهيوني للترويج لحقه المشروع في الدفاع عن أرضه وممتلكاته المغتصبة، في إشارة منه إلى أن فلسطين الحالية، وحسب النص التوراتي، هي أرض الميعاد بالنسبة لإسرائيل.
ودائماً ما كانت تعمل على إقناع المجتمع الدولي بأن سياستها هي الدفاع عن حقها بكل الوسائل الممكنة، وروجت ونشرت للرأي العام، عن طريق وسائلها المختلفة، أحقيتها بضم المستوطنات والأراضي الفلسطينية.
الأمر الذي دعا سلطات الكيان، ومنذ القرن التاسع عشر، إلى تشجيع الهجرة اليهودية إلى فلسطين وتوطينهم على شكل موجات متتالية لغرض إنشاء وطن قومي لليهود. واستمراراً لنهجها، استخدمت الحركة الصهيونية، منذ البداية، أساليب الترغيب والضغط لتشجيع اليهود على الانتقال إلى دولتهم الجديدة، بحجة أبدية العداء للسامية، بمعنى صعوبة اندماج اليهود في المجتمعات التي يعيشون فيها، لعداء تلك المجتمعات لهم. وبالتالي، ونتيجة لذلك، بات وجوباً الانتقال والهجرة إلى إسرائيل، كونها وطناً دينياً وقومياً يجمع اليهود من كل أنحاء العالم، وخصوصاً من دول أوروبا الشرقية، والتي هاجر منها أكثر من ثلاثة ملايين يهودي، والذين يُعتبرون المؤسسين الحقيقيين لذلك الكيان.تقلبات الأحوال العالمية باتت واضحة وجلية على صعيد واسع، حيث لم تعد سياسات الدول، كما في السابق، تعتمد على الاستفادة الوقتية من خلال احتلال أو فرض سيطرة على دولة أخرى، وبالتالي استنزاف مقدرات تلك الدولة.
اليوم، وبفضل العولمة التي سرّعت كثيراً من الأحداث، وجعلت كثيراً من الأمور تتحرك بديناميكية متسارعة، غيّرت العولمة وأثّرت بمنهجية الدول، وأصبحت، كتحصيل حاصل، تؤثر وتتأثر بما يجري، كونها جزءاً من منظومة دولية.
كثيراً ما كنا ننتقد منهجية وآلية عمل المنظمات العالمية الكبرى، وما زلنا نرى بأنها متواطئة ومقصرة في عملها، وفقاً لما يجري من صراعات وحروب على مستوى العالم، حيث لم تستطع أن توصل صوتها وتعبر عن رأيها بصورة كاملة، ولم يكن لها دور في كثير من الحالات التي تحتاج إلى قوة وحسم في اتخاذ القرار.
لكن، وهنا من باب الإنصاف، لا بد أن نكون موضوعيين في الطرح، فقد كان للأمم المتحدة، وخصوصاً خلال السنتين الماضيتين، دور كبير في إيصال معاناة الفلسطينيين إلى المجتمع الدولي، وعقدت اجتماعات موسعة لوضع حد لانتهاكات الكيان الصهيوني على ذلك الشعب الأعزل.
ونتيجة لذلك، ووفقاً للضغط المحلي والدولي، وفي خطوة جريئة، أعلنت فرنسا، قبل أيام، بأنها ستعترف بدولة فلسطين، وستعلن عن ذلك في شهر أيلول/سبتمبر المقبل أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، لتنضم إلى عدد من الدول التي دعت إلى الاعتراف بفلسطين، ومنها إسبانيا والسويد، وكذلك بريطانيا، هي الأخرى، وعلى لسان رئيس وزرائها كير ستارمر، أكدت ضرورة حل الدولتين لإنهاء الصراع المتجذر منذ عقود، وبالتالي ستعترف بالدولة الفلسطينية أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة.
الحديث عن الخطوة التي تبنتها فرنسا باعترافها الكامل بدولة فلسطينية ذات سيادة، يندرج ضمن الرغبة الفرنسية في لعب دور فعال على الساحة الدولية، لأنها، وإلى حد كبير، رأت بأنها ابتعدت كثيراً عن صناعة القرار الدولي، وأصبحت محلية القرار، على حد وصف الكاتب الفرنسي إريك زمور، في إشارة منه إلى أن دور فرنسا في صناعة القرار الدولي أصبح هامشياً نتيجة سياسات الولايات المتحدة التي تسعى لفردنة القرار دون الرجوع إلى الدول العظمى.وبذلك، يُعتبر القرار الذي تبنته فرنسا ما هو إلا رغبة حقيقية وجادة لغرض العودة إلى صناعة القرار الدولي، وكسب أكبر عدد ممكن من الدول المؤيدة للقضية الفلسطينية، خصوصاً بعد الإخفاقات المتكررة للمبادرات الأميركية في فرض حل عادل للدولتين.
وعلى ما يبدو، فإن النهج الجديد للأوروبيين في التعاطي مع القضية الفلسطينية قد يشكل تغييراً جذرياً في طريقة تعاطي العالم مع تلك القضية، الأمر الذي سيشجع الدول المتحفظة على الاعتراف بحق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم نحو دولة فلسطينية مستقلة، مما يزيد العزلة الإسرائيلية دبلوماسياً، وبالتالي يفتح آفاقاً مستقبلية قد تغير المعادلة المرسومة منذ عقود.