بوتين والعرب.. وما بعد

كتب هاني عاشور.. أثار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعد ساعات من انعقاد قمة بغداد العربية اهتمام العرب والعالم، حين صرّح بأن روسيا ستستضيف قمة روسية عربية في تشرين أول المقبل.
ورغم تعدد التفسيرات لهذا الاعلان الروسي وتوقيته بعد عقد القمة العربية في بغداد، ما يثير ويشير إلى أن سياسة روسية جديدة ازاء الدول العربية ستكون واجهة وعنوانا للمرحلة المقبلة.
ولعل ابرز ما يمكن تفسيره في هذا المجال هو أن روسيا تشعر بأنها شارفت على نهاية الحرب مع أوكرانيا بعد تقديم الرئيس الاوكراني زيلنسكي تنازلات لبحث وقف الحرب، كانت مقدمتها في المباحثات التي جرت في تركيا مؤخرا، مع موقف أوروبي متراجع عن التشديد في استمرار الحرب التي استنزفت أوروبا مثلما استنزفت روسيا واوكرانيا وامريكا، ومع مواقف امريكية عبر عنها ترامب في ضرورة وقف هذه الحرب، مع تقديم تنازلات ستسمح لبوتين بعدم الانسحاب من أراض أوكرانية سيطر عليها خلال حرب استمرت لعدة اعوام. ويبدو ان روسيا تستعد لمرحلة ما بعد الحرب في تشكيل مشهد جديد للعلاقات الروسية العربية، لأسباب أهمها تعويض ما فقده الاقتصاد الروسي من امكانات بسبب هذه الحرب الطويلة، وتشنج العلاقات الأوروبية ـ الروسية التي يبدو انها لن تعود في فترة قصيرة وربما تمتد بعدد سنوات الحرب، ومع حرب تجارية عالمية بدأها ترامب أثرت في اقتصادات عالمية كان في مقدمتها الصين وروسيا. ربما تشعر روسيا التي تعرضت إلى عقوبات دولية من أمريكا والاتحاد الأوروبي بحجز أو مصادرة مئات المليارات من الدولارات من قدرتها المالية والتجارية، إلا أنها يجب أن تستعيد عافية اقتصادها في اقرب وقت وتبحث عن شركاء جدد. هذه الفكرة لم تكن جديدة في الذهنية الروسية، بل بدأت منذ الحرب مع أوكرانيا، حين سعت روسيا إلى تعزيز منظمة بريكس كقوة اقتصادية وأضافت اليها عددا من الدول، تكون بمثابة المساحة الاقتصادية الجديدة لتعويض خسائر الحرب والعقوبات، وكان من بين تلك الدول خمس دول عربية وأجنبية، والخمسة الجدد هم السعودية ومصر والإمارات وإيران وإثيوبيا، فيما كانت آخر قائمة للدول التي تقدمت بطلبات رسمية للانضمام إلى بريكس ضمّت أيضا الجزائر والبحرين والكويت والمغرب وفلسطين.
فيما لم يكن السودان في القائمة الرسمية للدول المرشحة بسبب الحرب، وتونس تلوح بورقة “بريكس” في وجه مماطلات صندوق النقد الدولي.
وكانت قد رمت الجزائر بثقلها من أجل الانضمام إلى “بريكس”، من خلال زيارة رئيسها عبد المجيد تبون، إلى كل من روسيا والصين باعتبارهما البلدين المركزيين في المجموعة، وضمنت دعمهما رسميا، كما طلبت الانضمام إلى بنك التنمية الجديد، التابع لبريكس، عبر المساهمة بمبلغ مليار ونصف مليار دولار. فيما أبدت دول أخرى رغبتها بالانضمام إلى “بريكس” لتأسيس قاعدة اقتصادية عالمية جديدة تستطيع مواكبة قدرات الصين وروسيا ازاء التحديات الاقتصادية الامريكية التي عبر عنها ترامب بنظام الضرائب الجديد الذي يفرضه على التجارة الدولية لدول العالم، وابرزها روسيا والصين، وكان من شأن انضمام السعودية إلى “بريكس” أن يرفع حجم اقتصاد المجموعة بأكثر من 1.1 تريليون دولار مع الدول الاخرى داخل المنظمة ومنها روسيا والصين الاكبر في اقتصاد المجموعة، ويبدو ان ذلك قد حفّز الرئيس ترامب إلى زيارة السعودية وقطر والامارات لمواجهة هذه المنظمة في حرب دعم مالية تجارية. روسيا غدا لن تكون روسيا أمس أو اليوم، ودعوة الرئيس بوتين للقمة العربية الروسية، هي أكثر من اعلان عن سياسة جديدة لروسيا في الشرق الاوسط بعد ما شهدته من انحسار لدورها في سوريا بعد الانقلاب الأخير وسقوط نظام بشار الاسد الحليف الأكبر لروسيا في المنطقة.
وقد عبر الرئيس بوتين في تصريح عن دعوته واهميتها بقوله “أنا واثق من أن هذا الاجتماع سيسهم في تعزيز التعاون متعدد الأوجه والمتنوع بين بلداننا، وسيساعد في إيجاد سبل لتحقيق السلام والأمن والاستقرار في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا “.
روسيا في تشرين أول المقبل، ستكون غير روسيا اليوم، مثلما سيكون العرب مع روسيا غيرهم اليوم، وتلك وقائع السياسة وقراءة المستقبل.