
كتب محمد شريف أبو ميسم: بمجرد أن أكملت القوات الأميركية انسحابها من قاعدة عين الأسد، دخلت القوات الأمنية وادي حوران، وسيطرت عليه بالكامل. ووفقاً للاتفاق المبرم بين بغداد وواشنطن، من المقرر أن تنسحب القوات الأميركية بحلول تشرين الأول المقبل، من المقرر أن تنسحب القوات الأميركية بحلول تشرين الأول المقبل، على أن تنتهي المرحلة الثانية من الانسحاب بحلول أيلول من العام المقبل.
وأثارت عملية تسريع انسحاب القوات الأميركية جدلاً واسعاً بين العراقيين، فيما أحيطت الكثير من التحليلات بالريبة والشك بشأن الدوافع والأسباب وصدق النوايا، على الرغم مما قيل إعلامياً بشأن إبلاغ الجانب الأميركي للجانب العراقي بتسريع عملية الانسحاب، وأن الجانب الأميركي لن يلتزم بالجدول الزمني المحدد.
وذهبت بعض الآراء باتجاه احتمالات تحلم بها جهات معادية للعملية السياسية، تمنّي النفس بعدوان عسكري مباشر أو بالوكالة، بالتزامن مع اعتراض الجانب الأميركي على تمرير قانون الحشد الشعبي.
وما زاد في هذه الآراء ترويجاً ودعماً، ما قيل بشأن تجمع آلاف من الإرهابيين في قاعدة “التنف” الأميركية على الأراضي السورية، عند المثلث السوري – العراقي – الأردني، وما قيل ويقال بشأن توجيه ضربة عسكرية جديدة لإيران من قبل الكيان الصهيوني بدعم من الولايات المتحدة، ما سيتسبب بتوسيع رقعة الحرب.
وبناءً على ملامح هذه الحكايات يتبادر سؤال مهم، مفاده: ما الذي يمكن أن تحققه الولايات المتحدة من إعادة زعزعة الأمن في العراق، إذا ما دفعت هذه الأعداد الإرهابية نحو الأراضي العراقية؟ في وقت تحاول فيه أن تجد مخرجاً للمأزق العسكري مع إيران، الذي أسهم مساهمة كبيرة في تعويق عملية الشروع في تنفيذ ملامح مشروع الشرق الأوسط الجديد القائم على التطبيع مع الكيان الصهيوني في سياق ما يسمى بالمشروع الإبراهيمي، وهذا الأخير يستند إلى فكرة الاندماج الجهوي بين دول المنطقة، بما يؤسس لبيئات استثمارية جاذبة لرساميل العولمة التي تحاول أن تحكم هذه المنطقة.
وهنا تبدو الإجابة على نقيضين متضادين: الأول: أن المشروع بحاجة إلى تواجد عسكري مباشر على الأراضي العراقية لحماية المصالح والاستثمارات الأميركية، التي ستؤسس لوجود الدول الليبرالية التي تحل فيها سلطة رساميل العولمة محل سلطة الدولة التقليدية، وبذلك فإن احتمالات تعرض الأراضي العراقية لعمل إرهابي تكون واردة، بهدف إعطاء مبرر لتدخل عسكري أميركي يكون مدعاة لوجود رسمي للقواعد الأميركية على المدى البعيد.
إلا أن هذا الاحتمال سيصطدم على أرض الواقع بعقبتين لا تخدم هذا السيناريو: الأولى: تتعلق بقوة وصلابة القوات الأمنية العراقية وبتعدد تشكيلاتها المدعومة بعمق جماهيري ووطني يزداد بأساً بوجود قوات الحشد الشعبي، التي ستنال المزيد من الدعم بعد افتضاح غايات الانسحاب الأميركي، ومحاولة استخدام ورقة الإرهاب للعودة مرة أخرى، الأمر الذي يرجح صعود الشعار العقائدي لحماية المراقد المقدسة بفتوى جهادية جديدة قد تنسحب إلى ما وراء الحدود، وهذا ما لا يريده القائمون على المشروع في بعده الاستراتيجي القائم على التهدئة.
الثانية: تتمثل في احتمالات ضرب المصالح الأميركية التي تم التأسيس لها على مدار عشرين عاماً، بما يجعل فشل السيناريو ينعكس سلباً على تواجد الشركات الأميركية والتواجد الأميركي في العراق بكل أشكاله على المدى البعيد، وهذا ما لا يريده القائمون على المشروع في بعده الاستراتيجي أيضًا.
وهنا نكون إزاء قراءة راجحة من زاوية أخرى، تتمثل في الرغبة الأميركية بترسيخ المصداقية وإعادة الثقة مع الرأي العام العراقي، مع تكثيف إعلامي في هذا الاتجاه، لنزع الشك والريبة بهذا الشأن بما يؤسس لرأي إعلامي ضاغط باتجاه قبول العقل الجمعي بفكرة حصر السلاح بيد الدولة بدعوى خلق بيئات آمنة وجاذبة للاستثمار الأجنبي، بموجب ما جاء في قانون حيازة السلاح رقم /51/ لسنة (2017)، والتمهيد إعلامياً لدمج الحشد الشعبي في المؤسسة العسكرية بوصفه تشكيلاً عقائدياً حقق النصر على الإرهاب، وأسهم في انسحاب القوات الأميركية، وأدى رسالته بشكل كامل، ليكون له ما لعناصر المؤسسة العسكرية من حقوق عبر الانخراط الرسمي في مؤسسة الجيش العراقي.
فيما يُرجّح أن تبقى ورقة تجميع الإرهابيين في قاعدة “التنف” الأميركية للتلويح بها عند الحاجة ضد أي عمل عسكري بري، في حال اتساع رقعة الحرب التي يلوح بها أصحاب المشروع ضد إيران.