
كتب طالب سعدون.. عالم جديد يحلم ترامب بالسيطرة عليه وضع ملامحه في ولايته الاولى، وفي ولايته الثانية اطلق تصريحات وابدى تصرفات ملفتة خلال مدة وجيزة بتتابع زمني غريب ومنهج فريد تميز به عن الرؤساء الاميركيين الاخرين كشفت عن هذه النزعة وعن مشروع لتحقيق هذه السيطرة لا تكفي ولايتان لتحقيقه، فهل يكون الثاني بعد روزفلت الذي حكم اكثر من ولايتين (1933 إلى 1945) لأن الدستور لم يحظر اكثر من ولايتين، بل هو (عرف) ساروا به على نهج (جورج واشنطن)
الذي رفض الولاية الثالثة له . فهل يقدم ترامب على تغييره لتحقيق مشروعه؟ وهل لأميركا القدرة على ذلك ؟. ليست طرفة أو مزحة أو زلة لسان عندما أبدى إعجابه في ولايته الاولى بتجربة الصين التي تخول (شي جين بينغ) بان يكون رئيسا مدى الحياة رغم انه يعرف جيدا انه رئيس دولة عظمى تدعي انها (تحمل راية الديمقراطية) وكلماته وتصرفاته محسوبة، وليس عيدي امين رئيس أوغندا الاسبق مثلا الذي نصب نفسه رئيسا مدى الحياة وانتهى به الموت في غيبوبة خارج بلاده بعد ان طرد منها شر طردة .
خطوات مدروسة يقوم بها ترامب، وليست عرضية أو تأتي صدفة أو من باب (المناكفة) كما حصل في لقائه مع الرئيس الاوكراني زيلنسكي الذي تحول إلى مشادة كلامية وتلاسن أو من باب (الطرافة واللطافة) كما حصل في لقائه مع رؤساء أفارقة عندما طلب منهم الاكتفاء بذكر أسمائهم وبلدانهم أو عندما اشار بيده إلى احدهم وقاطعه ليطلب منه انهاء حديثه لضيق الوقت ما اثار موجة من التعليقات في منصات التواصل الاجتماعي، وتساؤلات هل هو يجهل البروتوكولات الرئاسية؟ ام تلك (دبلوماسية ترامبية) خاصة به درج عليها؟ أو هو تعامل بغرور أوهي نزعة استعلاء وكأنه رئيس العالم مع علمه انهم نظراء له وليسوا اناسا عاديين أو موظفين في سلم اداري اقل منه، أو هم في ندوة عامة ؟، أو عندما أبدى رغبته في توسيع حدود اميركا بضم هذه أو تلك من الدول والمناطق اليها أو توسيع مواردها على حساب الاخرين بفرضه رسوما تجارية جديدة وكأنه يجهل قوانين السيادة أو التجارة العالمية، أو لا يقدر خطورتها؟.
في هذه المواقف ومن على شاكلتها لم يكن ترامب (متهورا أو مجنونا) كما وصفه من وصفه، بل هو (ترامب الاميركي أولا) الذي يعي جيدا ما يقول، فهو لا يرى غير اميركا في هذا العالم الواسع.
وهو الذي جاء بقرار اميركي (ديمقراطي شعبي) إلى الحكم وليس بانقلاب عسكري أو بالوراثة. جاء وظهره مثقلا بعشرات القضايا في المحاكم، لكنه يحمل معها مشروعا ربما جعل اميركا تغض النظر عنها لأنه يريد لها (كما جاء في برنامجه) ان تكون الاولى في العالم.
اميركا تعرف جيدا من هو ترامب وخلفيته المهنية، انه لم يرشح لإدارة (شركة مقاولات عامة) أو الدخول في مناقصة بناء ضمن اختصاصه المهني بل لادارة دولة عظمى، وبيده (الزر النووي)، فهل يمكن لـ ( متهور) أو (مجنون ) أن ( يحكم العالم) كما تريد اميركا؟، ويقرر مصيره (بضغطة) على هذا (الزر) الذي يحتاج إلى يد قوية وليست واهنة ؟!.
واذا كانت مثل هذه المواصفات تصلح لمرشح في دولة من دول العالم (الاخر)، فهل تناسب اميركا ام كان على هواها ومصالحها ؟.
الولايات المتحدة تعرف بيد من تسلم مفتاح مستقبلها، ويبدو من اختيارها لترامب (رغم سجله القضائي) انها تبحث عن رئيس يحقق حلمها بان تكون القوية و (الاولى) ووجدت في ترامب ضالتها التي تحقق هذا الحلم والانسب لهذا المنصب ولا مانع من ان تغير نفسها لتكون (على مقاسه) وتنقلب على دستورها وقيمها التي عرفت بها، وربما لا تكتفي بولاية ثالثة اذا ما حقق لها هذا الحلم، بل تجعل منه حاكما مدى الحياة .
بالمقابل وجد ترامب في نيتنياهو ضالته لتحقيق هذا الحلم مع وجود آخرين شركاء يتقدمون عليه لكن لم يحن دورهم الان، فهما وان لم يتوافقا في الكيمياء لكنها يلتقيان في المصالح.
ومع ذلك يبدو ان ترامب كان في عجالة من امره فقام بخطوات أولى في مشروعه (اميركا السيدة والقائدة للعالم) في غزة وايران اعتمادا على (اسرائيل التي لها مطامعها ومصالحها ايضا) لكنها لم تنجح في ما نسب اليها مما اضطره ان يتدخل بنفسه بزيادة الدعم وبالضربة العسكرية والدعوة إلى تهجير الغزاويين وتحويل بلادهم إلى (ريفيرا اميركية) وعندما فشلت في حربها باعتراف (اسرائيليين) ومنهم عسكريون كبار ومحللون تدخل ترامب مباشرة بالدعوة إلى وقف اطلاق النار في الجبهتين لإنقاذها.
وازاء هذه الترامبيات يرد سؤال مهم، اين أوروبا والصين وروسيا ودول مؤثرة اخرى في العالم منها؟، هل تكتفي بالتفرج ام لها موقف اخر لم يحن أوانه، لان الأمور لا تزال لم تخرج عن المدى الذي تراه؟ وكل شيء له حسابه.