مقالات
أخر الأخبار

رسائل قمة بغداد

كتب محمد شريف أبو ميسم: يأتي انعقاد القمة العربية الرابعة والثلاثين، في وقت يشهد فيه الشرق الأوسط جملة من التحولات الجيوسياسية، التي فرضتها معطيات الحرب في غزة وفي لبنان، وما حصل على الساحة السورية، فضلاً عن اكتمال بعض ملامح صفقة القرن أو ما يسمى بخطة ترامب للسلام، التي أعلن عنها في مطلع 2020 إبان دورته الرئاسية الأولى.

 

وقيل الكثير عن جدوى انعقاد القمة في بغداد، في وقت تحاول فيه الحكومة العراقية، استعادة ثقة الشعب العراقي بنظامه السياسي، وتوطيد علاقات العراق مع محيطه العربي والإقليمي، بما ينسجم مع التوجهات القائمة على رغبة الانفتاح مع دول المنطقة وتحقيق التكامل الاقتصادي، بما يخدم المصالح المشتركة، دون المساس بسيادة الدول أو التدخل في الشؤون الداخلية، بعد أن شهدت البلاد سلسلة طويلة من الإرباك خلال المرحلة الانتقالية، التي تواصلت فيها محاولات التكيف مع شكل النظام الديموقراطي وليبرالية السوق على نحو عشرين عاماً من التجاذبات والإرباك الناجمة عن تدخل الارادات الخارجية في الشأن العراقي.

ويبدو العراقيون عازمين على إنجاح هذه القمة، من خلال العمل المتواصل والحثيث من أجل تهيئة مقومات هذا النجاح، وهذا العزم قائم على جملة من الأهداف التي ستحققها رسائل قمة بغداد، وفي مقدمة هذه الرسائل، إن العراق تعافى تماماً ولم يعد ساحة متاحة للتدخلات وللصراعات بالوكالة، بل بات شريكاً فاعلاً في صياغة الحلول ومضيفاً جامعاً للعرب، ولا يبدو هدف هذه الرسالة ممكن التحقيق دون تسليط الضوء على المحتوى، من خلال زيارة الوفود المشاركة، وفتح أبواب اللقاءات والحوارات الجانبية، والتكثيف الإعلامي عبر فتح الأبواب لوسائل الإعلام العربية التي دجنتها رغبة المعادين للتجربة الديموقراطية في البلاد، وسوداوية المشهد التي نقلتها سنوات العنف المفخخة بالتمويلات والتدخلات الخارجية، فكانت هذه البلاد عصية على الانكسار، يدها على جرحها، وهي مصممة على بلوغ البدايات الحقيقية لشكل الدولة الديموقراطية التعددية، التي تقبل الاختلاف وتلاقح الأفكار والتزاحم بين الآراء، ولكنها تنبذ الخلاف والتنازع وتعارض المصالح، حتى قطف الشعب العراقي ثمار تضحياته وصبره عبر مرحلة طويلة من التكيف مع شكل التعددية وقبول الآخر، وبات اليوم أنموذجاً ديموقراطياً فريداً بين أشقائه العرب وفي عموم منطقة الشرق الأوسط.

ومن بين أهم رسائل قمة بغداد، هي الرسائل الاقتصادية، بعد أن غادرت البلاد نظام اقتصاد الدولة وانتقلت باتجاه اقتصاد السوق، وسوق العمل في هذا الأخير يحتاج إلى القطاع الخاص والاستثمار الأجنبي لخلق مزيد من الوظائف، وبخلاف ذلك فإن سوق العمل سيبقى متخماً بالأيدي العاطلة، ما لم تتم إقامة المزيد من المشاريع الاستثمارية.

وغالباً ما يكون الإنفاق عالياً على مثل هذه الرسائل التي تبشر ببيئة آمنة جاذبة للاستثمار، إذ ما من جدوى اقتصادية دون دراسة لبيئة آمنة، وهذا الأمر يتطلب الإعلان وخطة لتسويق هذا الإعلان، وكثيراً ما كانت البيئات، التي تحتضن المؤتمرات والمنتديات الكبيرة، هي بيئات جاذبة للاستثمار، تتدفق نحوها الرساميل، لأنها تحتضن الرؤساء والزعماء والملوك في أجواء آمنة لأيام، فكيف لا تحتضن رجال الأعمال والرساميل، وهذا هو المحتوى الدعائي الذي يكسر حاجز التردد في أي بيئة استثمارية واعدة، إذ يبقى عامل الأمن والأمان هو الأبرز من بين مقومات الاستثمار بجوار اكتمال المنظومة القانونية التي تحمي الرساميل، ووجود سياسة نقدية مستقرة، فضلاً عن أهمية وجود نظام مصرفي مؤهل للتبادلات والتداولات المالية، التي تضمن استخدام التقانات والبرامج والتطبيقات الإلكترونية الحديثة.

ليس ذلك فحسب، بل إن عموم المشهد الاقتصادي قائم على الدعاية، التي تضمن إيقاع عمل القطاعات الاقتصادية بكل أشكالها، وما دام العراق يمتلك قطاعاً سياحياً متعدد الحلقات بحسب التاريخ والتضاريس الجغرافية، فإن من الأولى استثمار انعقاد قمة بغداد للترويج عن بيئة سياحية، آمنة يمكن أن تتسع فيها مساحة العمل والاستثمار، بما يخدم البلاد والعباد ويزيد من أواصر العلاقات الإيجابية بين الشعب العراقي وشعوب العالم أجمع.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى