مقالات
أخر الأخبار

طهران وإسلام آباد .. فصل جديد بالحبر السري

كتب سيف الحمداني.. “فصلٌ جديد في العلاقات الدبلوماسية بدأ بين طهران وإسلام آباد” — هكذا لخّص الرئيس الإيراني زيارته إلى باكستان.

جملة قد تبدو عابرة في ظاهرها، تُدرج تحت إطار المجاملات السياسية التي تُختم بها البيانات الرسمية، لكنها في جوهرها تحمل إشارات عميقة لا يمكن قراءتها إلا في سياق ما بين السطور.

فالحديث عن بداية فصل جديد، يعني ضمنياً أن ما سبق لم يكن فصلاً مشرقاً. بل كان على الأرجح فصولاً من التوترات الصامتة، وسطوراً من الشكوك المتبادلة. وربما لم تُكتب هذه الفصول بالحبر السياسي وحده، بل بالحبر الأمني، على الحدود الملتهبة التي تمتد لأكثر من 900 كيلومتر بين الجارتين، حيث تتقاطع المصالح، وتتنافر أحياناً السياسات.

لقد شهدت العلاقات الإيرانية الباكستانية على مدى السنوات الماضية حالة من المدّ والجزر، خاصة في ضوء العمليات المسلحة التي كانت تنطلق من الحدود المشتركة، لتطول الأمن القومي للطرفين. إيران اتهمت مراراً جماعات متطرفة تتخذ من باكستان منطلقاً لهجماتها، بينما ظلت باكستان في موقف المتردد أو الصامت في كثير من المرات، خشية الدخول في مواجهات إقليمية لا تملك ترف خوضها.

لكن المتغيرات الأخيرة، إقليمياً ودولياً، تدفع البلدين لإعادة تموضع في علاقاتهما. فإيران، المثقلة بالعقوبات الغربية والمتأهبة لمواجهة أي تصعيد إسرائيلي، تحتاج إلى حزام دعم إقليمي ولو محدود. أما باكستان، التي تواجه أزمات اقتصادية وأمنية متفاقمة، فإنها تسعى لإعادة تفعيل دورها في الإقليم عبر بوابة الجوار، لا سيما إذا حمل هذا الجوار فرصاً تجارية أو طاقة رخيصة.

ورغم أن التصريحات الرسمية لم تكشف الكثير عن مضامين الزيارة، إلا أن حديث “الفصل الجديد” لا يخرج غالباً من فراغ. بل يشير إلى تفاهمات محتملة لم يُعلن عنها: تعاون استخباري أمني على الحدود، أو تفاهمات في ملف الطاقة، أو ربما تفاهم ضمني على ضبط التوتر في أفغانستان المجاورة، التي تشكل بؤرة قلق مشتركة لكلا البلدين.

كذلك، فإن هذه الزيارة لا يمكن فصلها عن رسائل إقليمية مضمرة. فبين سطور البيان الإيراني، رسالة واضحة إلى الرياض بأن طهران تحتفظ بخيارات استراتيجية قريبة من خاصرتها، في حال فتر دفء المصالحة. ورسالة أخرى إلى الهند، بأن باكستان ليست بالضرورة في المعسكر النقيض لطهران، وأن مشاريع الربط الاقتصادي بين جنوب آسيا والخليج قد تشهد تحولات حاسمة في مساراتها.

وللرأي العام الإيراني والباكستاني، يبدو التصريح بمثابة محاولة ترميم الصورة: إيران تظهر بمظهر الدولة الفاعلة دبلوماسياً رغم الحصار، وباكستان تظهر كمحور إقليمي لا يزال مؤثراً في معادلات الجوار.

ومع ذلك، تبقى الأسئلة المقلقة مطروحة: هل يكفي البيان السياسي لتجاوز إرث انعدام الثقة؟ وهل تملك القيادتان في طهران وإسلام آباد الإرادة لترجمة التصريحات إلى تفاهمات مستقرة، أم أن الفصل الجديد قد لا يكون سوى فاصل قصير قبل عودة التوترات؟

ربما ستكشف الأشهر المقبلة إن كانت هذه الزيارة لحظة تحول حقيقي، أم مجرد فقرة في رواية إقليمية معقدة، لا يطول فيها الأمل قبل أن يبتلعه الدخان.

 

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى