
كتب سيف الحمداني.. منذ العام 2003، اتجه العراق نحو تبني نظام ديمقراطي برلماني، يفترض فيه أن يقوم على التعددية السياسية، والتداول السلمي للسلطة، والفصل بين السلطات، واحترام الحريات العامة.
وقد شكّل إقرار دستور عام 2005 نقطة تحوّل كبيرة في مسار الدولة العراقية الحديثة، حيث كفل الدستور مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان، وأتاح للمواطن حق المشاركة الفاعلة في الحياة السياسية.
ورغم التحديات البنيوية والسياسية، التي واجهت التجربة الديمقراطية العراقية، إلا أن ما تحقق حتى اليوم لا يمكن إنكاره، بل يُعدّ منجزًا مهمًا في منطقة تعاني من اضطرابات مزمنة وصعود لأنظمة استبدادية.
أجريت عدة دورات انتخابية منذ عام 2005، شارك فيها ملايين العراقيين، وتم تداول السلطة عبر صناديق الاقتراع. كما تطوّر الخطاب السياسي نسبيًا، وبرزت أصوات شبابية مستقلة في المشهد العام، وازدادت المطالبات بالشفافية والمساءلة والإصلاح.
لكن، في المقابل، عانت الديمقراطية العراقية من مشكلات هيكلية أبرزها هيمنة المحاصصة، وانتشار الفساد، وتراجع الأداء التشريعي والتنفيذي، فضلاً عن تراجع ثقة المواطن بالمؤسسات نتيجة تفاقم الأزمات الخدمية والاقتصادية.
كما لم تنجح القوى السياسية التقليدية في بناء دولة مؤسسات قادرة على فرض القانون وتحقيق العدالة الاجتماعية.
الديمقراطية لا تُبنى في يوم، ولا تستورد جاهزة. إنها عملية طويلة ومعقّدة، تتطلب بيئة آمنة، واقتصادًا مستقرًا، وثقافة سياسية ناضجة. العراق اليوم يقف على عتبة هذا التحول.
المطلوب ليس هدم النظام، بل إصلاحه من الداخل، وتعزيز دور المواطن بوصفه حجر الزاوية في أي مشروع ديمقراطي ناجح. ولعلّ الفرصة لا تزال قائمة، إذا ما اجتمعت الإرادة السياسية الجادة مع ضغط شعبي واعٍ، وإعلام حرّ، ومجتمع مدني مستقل، قادر على إحداث التوازن المطلوب بين الدولة والمجتمع.
الديمقراطية في العراق ليست مشروعًا فاشلًا كما يروّج البعض، بل مشروع ناشئ يمر بمراحل اختبار عسيرة.
لقد تجاوز البلد الكثير من العواصف، واحتفظ بقدر لا بأس به من الحريات، وفتح الباب أمام النقد والمساءلة. وهذا بحد ذاته إنجاز يستحق البناء عليه لا هدمه.
ما تحتاجه الديمقراطية العراقية اليوم هو الصبر، والتصحيح، والمراكمة، لا اليأس ولا القطيعة. فالأوطان لا تُبنى بالمثالية، بل بالإيمان المتدرج بأن الغد أفضل مما مضى.