مقالات
أخر الأخبار

غزة تكشف عن الشقاق في جبهة الاحتلال

كتبت نرمين المفتي.. مع تصاعد العدوان الإسرائيلي على غزة، وسط تغيير ملحوظ في الموقف الأوروبي خاصة ضد حرب الابادة في غزة، بدأت أصوات غير متوقعة ترتفع داخل المؤسسة (الإسرائيلية) نفسها لتنتقد بشدة سياسات الحرب والاحتلال.

فقد أقدم عددٌ من كبار الشخصيات (الاسرائيلية)، مثل دانييل ليفي، المفاوض السابق في مفاوضات أوسلو ورئيس مجموعة الأزمات الدولية سابقًا، بالإضافة إلى رئيس الحكومة الأسبق إيهود أولمرت، واللواء المتقاعد يائير غولان، على توجيه انتقادات حادة ومثيرة للرواية الرسمية، مما يعكس أزمة أخلاقية عميقة داخل صفوف النخبة داخل الكيان. وكان ليفي قد قال في كلمة ألقاها أمام مجلس الأمن في شباط 2025: “إذا وقفنا دقيقة صمت على روح طفلين (إسرائيليين) قتلا في غزة، فعلينا أن نقف ٣٠٠٠ ساعة صمت على أرواح ١٨ ألف طفل فلسطيني قتلهم الاجتياح (الإسرائيلي)”.هذا التصريح الصادم لم يكن مجرد تعبير عاطفي، بل كان توبيخًا واضحًا للضمير العالمي الذي غض الطرف عن مأساة غزة، والصمت الذي طال ٢٠ شهرا ومنح غطاء لجرائم النازيين الجدد. وأشار ليفي في حوار تلفزيوني تابعته أن “معظم اليهود الذين يعيشون في (إسرائيل) اليوم ليست لهم جذور تاريخية عميقة في الأرض، بل جاؤوا من الشتات الأوروبي”، وهذا القول يتناقض بشكل مباشر مع الرواية الصهيونية، التي تروج لفكرة “العودة إلى الوطن القديم” و”استعادة الأرض الموعودة”. واشار في الوقت نفسه إلى جذور الفلسطينيين في هذه الارض. كما أكد ليفي على أن حق العودة الفلسطيني ليس مجرد شعار سياسي أو مطلب عاطفي، بل هو حق قانوني وإنساني معترف به في قرارات الأمم المتحدة، ويجب أن يكون جزءًا لا يتجزأ من أي حل سياسي عادل ودائم.من جانبه، وفي مقابلة تلفزيونية، وصف إيهود أولمرت، رئيس الوزراء الأسبق (2006- 2009) الحملة العسكرية (الإسرائيلية) في غزة بأنها “حرب بلا استراتيجية “تُسبب” إراقة دماء مدنية بلا مبرر”، محذرا من أن استمرار هذا النهج سيحول (إسرائيل) إلى دولة منبوذة دبلوماسيًا، ويفقدها ما تبقى معها من تعاطف دولي. وأضاف أولمرت أن الفشل في تحقيق أهداف الحرب واضح، مع استمرار الصراع وتصاعد معاناة المدنيين.

 

أما اللواء المتقاعد يائير غولان، الذي شغل منصب نائب رئيس هيئة الأركان العامة لقوات الكيان وهو الان رئيس حزب الديمقراطيين، فقد انتقد بشدة ما وصفه بـ”قتل أطفال غزة كأنه هواية”. وذهب إلى حد مقارنة سياسات الاحتلال بسياسات نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، محذرا من العزلة الدولية المتزايدة التي تهدد مستقبل (إسرائيل) الأخلاقي والدبلوماسي. وأكد غولان أن هذه السياسات لن تجلب سوى المزيد من العنف وتدمير فرص السلام، وأن على القيادة الإسرائيلية مراجعة استراتيجياتها قبل أن تفقد (الدولة) كل دعم دولي ممكن.شخصيات أخرى انضمت للمعارضة، مثل الرئيس السابق، اسحق هرتسوغ، الذي دعا إلى وقف إنساني لإطلاق النار، محذرًا من الكراهية العالمية المتصاعدة ضد (إسرائيل). وقال الرئيس الأسبق لجهاز الشاباك، عامي أيالون، “إن الانتصار العسكري على حماس مستحيل”، داعيا إلى حل سياسي عاجل. وأضاف الكاتب جدعون ليفي أن الحكومة (الإسرائيلية) تتبنى تطرفًا يزهق أرواح الفلسطينيين ويدمّر مستقبل (إسرائيل).ردود فعل حكومة الصهاينة كانت حادة، حيث اتهم وزير الخارجية، جدعون ساعر، المنتقدين بأنهم يقدمون “ذخيرة دعائية لأعداء (إسرائيل)”، بينما وصفهم بنيامين نتنياهو بـ”الخونة الذين يضعفون الروح المعنوية الوطنية”.

 

وفي المشهد الإعلامي، انقسمت المواقف بين صحف مثل “هآرتس” التي دافعت عن حرية التعبير باعتبارها “كشفا ضروريا للحقيقة؟، وبين صحف أخرى مثل “يديعوت أحرونوت” التي حذرت من أن الانتقادات الداخلية تضر بصورة (إسرائيل) في الخارج.هذه الأصوات ليست مجرد احتجاجات فردية، بل تعكس انشقاقات عميقة في داخل الكيان، حيث بدأ بعض النخبة يعيدون النظر ليس فقط في السياسات، بل في الأسس الأخلاقية التي قامت عليها (الدولة). وفي ظل تصاعد معاناة المدنيين في غزة، وتزايد العزلة الدولية للكيان تبرز تساؤلات مصيرية حول مصير الرواية الصهيونية، هل يمكن أن تؤدي هذه الانتقادات إلى تحول حقيقي في السياسات أم ستُقمع وتُدفن تحت زخم الحرب؟. وتظل هذه التصريحات بمثابة إنذار داخلي وخارجي يحمل بين طياته إشارة إلى أن استمرار تجاهل الحقوق الفلسطينية وعمليات القتل المستمرة، لن يؤدي إلا إلى مزيد من التوتر والانقسام، وربما إلى زوال ما تبقى من الشرعية الدولية التي يحظى بها الكيان الصهيوني.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى