مقالات
أخر الأخبار

قتل المجوّعين وضم الضفة الغربية

كت محمد شريف أبو ميسم.. منذ الثاني من أيار الماضي قتل أكثر من ألف فلسطيني محاصر أثناء محاولتهم الحصول على الغذاء في قطاع غزة، وتحديدا بالقرب من مواقع المساعدات، ومع بلوغ المجاعة أعلى مستوياتها منذ بداية الحرب الصهيونية على غزة، لم يعد هنالك ما يقال بشأن حماية المدنيين في وقت الحرب، وباتت اتفاقية جنيف بهذا الشأن محض ثرثرة يعاد انتاج محتوياتها في وسائل الاعلام للتسويق وذر الرماد بالعيون بهدف تضليل الرأي العام بشأن مشاريع الهيمنة.

ومنذ آذار الماضي، المشاهد تتكرر يوميا، بعد أن غلق جيش الكيان الصهيوني جميع المعابر مع قطاع غزة ومنع دخول المساعدات الغذائية والطبية، وعلى الرغم من الحصار الاعلامي، تنقل لنا كاميرات الصحفيين الذين يتعرضون للموت والاعتقال، صور التجويع حد الهلاك، أطفال أعياهم الجوع تتزاحم قدورهم للحصول على حفنة رز مطبوخ، وأمهات نضب الحليب في عروق أثدائهن ينكفئن على طفولة ناحلة، وأجساد هزيلة تسحق بالرشقات النارية وهي تحاول الحصول على لقمة عيش تعالج بها شأفة الجوع، الدماء تمتزج بالدقيق، والفزع يحف بمن حصل على كيس من الخبز ونجا من الموت.

نعم إنه الموت حين يتحالف مع الخوف والجوع، تحت مرأى ومسمع ضمير الأمة، الذي أصبح هشيما تذروه الرياح، وليس سوى بيان خجول صادر عن الاجتماع الطارئ لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى المندوبين الدائمين، يدين التجويع والحصار المفروضين على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.

وحين يستخدم التجويع ليكون سلاحا لابادة المدنيين، وتعسكر المساعدات الانسانية حد محاصرة الموتى بالرشقات النارية، بعد أن مارس الاحتلال كل أنواع القتل الجماعي والتنكيل، وكل أساليب التدمير والتهجير القسري، منذ نحو عامين، فان في ذلك دالة تشير إلى جنون القائمين على دولة الاحتلال التي فشلت في كسر شوكة المقاومة الفلسطينية، وما يؤكد هذا الجنون، حالة التخبط التي تحاول أن تصنع متغيرا يحسب لصالح الكيان، الذي فشل في الحفاظ على صورة الضحية التي كان يسّوقها عبر وسائل الاعلام، بوصفه كيانن مهددا بالعدوان دائما، ليسقط القناع، ويتحول إلى رمز اجرامي يفوق بجرائمه ما كان يدعيه بشأن محارق الهولوكوست.

ولا يتجلى هذا الجنون والتخبط في المجازر اليومية للمجوّعين وحسب، بل في السلوك السياسي، الذي وصل إلى حد تصويت “الكنيست” على مقترح قرار يقضي بضم الضفة الغربية وغور الأردن لسلطة الاحتلال، وينص القرار على أن “لدولة الاحتلال الحق الطبيعي والتاريخي والقانوني على كل مناطق أرض فلسطين المحتلة، بوصفها الوطن التاريخي للشعب اليهودي”، في خطوة أقل ما يقال عنها إنها باطلة وغير شرعية، في القياسات التي يعتمدها الكيان الصهيوني نفسه في خطاباته الدبلوماسية والاعلامية.

الأمر الذي يشير إلى احتمالات توظيف هذا الملف الجديد لابعاد الرأي العام الدولي عمّا يحصل في غزة، وامتصاص نقمة الحركات والمنظمات الانسانية الدولية، التي بدأ الرأي فيها يتصاعد ويتجه نحو الاعلان عن اضراب دولي عن الطعام لأحرار العالم، للتعبير عن التضامن الانساني مع الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، في ذات الوقت الذي يشكل فيه هذا القرار أداة لرفع سقف التفاوض المحتمل بشأن مسار المشروع الصهيوأمريكي الذي لم يجد بدا من التوجه نحو اقامة الدولة الفلسطينية على مناطق محددة من الأرض المحتلة، لسحب البساط من تحت أقدام دول المنطقة المعادية لدولة الاحتلال، والذي يرجح أن يكون تحت ضغط ووصاية أمريكية وتمويل من الدول النفطية الحليفة للولايات المتحدة، تحت مظلة الاحتواء الاقتصادي واحلال سلطة رساميل العولمة محل سلطة الدولة، شرط انهاء كل أشكال المقاومة في أرض فلسطين والمنطقة وانخراط دولها في المشروع الابراهيمي، وما اسلوب ايقاع الأزمات وتصعيدها مرة واحدة إلا لإحداث التغيير، بموجب ما تخطط له وترسم ملامحه الدولة العميقة التي تقف وراء الكيان الصهيوني ومشروع الشرق الأوسط الجديد.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى