أخبارمقالات
أخر الأخبار

قوة الدول من بناء الجيوش إلى بناء العقول

كتب نبيل إبراهيم الزركوشي: إنّ إحدى أهمّ ركائز بناء أيّة دولة في العالم هي قوتها العسكرية، من حيث جاهزيتها وكمية السلاح وتنوّع مصادر التجهيز والحصول على المتطورة منها، ويعود ذلك إلى فكرة أنّ الدول القويّة دائماً تغزو الضعيفة منها، وتسلب ثرواتها، وتجعلها تابعة لها.

ومن هنا جاءت فكرة بناء الجيوش وتسليحها، وقيام التحالفات العسكرية بين الدول، من أجل المحافظة على حدودها وممتلكاتها وأجوائها، والتصدّي لأيّ اعتداء قد تتعرّض له وينتهك سيادتها، ولذا تُخصَّص ميزانيات كبيرة لشراء المعدات العسكرية، وعقد الاتفاقيات والشراكات والمعاهدات، التي تكون في أغلب الأحيان طويلة الأمد، وتشمل كذلك بناء الجيوش وتدريبها.

ولبناء جيش قادر على أداء مهامه، تُلزِم بعض الدول أبناءها بالتجنيد الإلزامي، ليكونوا جاهزين للدفاع عنها، وقد يصل الأمر أحياناً إلى تجنيد أفراد من غير مواطنيها ومنحهم امتيازات خاصة عند انضمامهم إلى الجيش، وقد ظهر في هذا السياق العديد من الاستراتيجيات العسكرية في بناء الجيوش، التي اعتمدت سابقاً في معظمها على البناء الجسدي، من خلال تعريض أفراد الجيش لمواقف تجعلهم قادرين على تحمّل الجوع والعطش وزيادة الصلابة البدنية.

وبذلك ينتقل الأفراد إلى سياقاتٍ مهذبة وقواعدَ صارمة في احترام الرتب التي تمنحها أعلى سلطة في البلاد، ناهيك عن سنّ القوانين الخاصة بالأوسمة والأنواط، التي تُمنَح عادةً لمن يقوم بأعمال شجاعة أو استثنائية، ويتم تقليدهم بها في المناسبات الرسمية والوطنية تقديراً لجهودهم.

غير أنّ الحروب الأخيرة التي شهدها العالم وما زالت مستمرة قد غيّرت المنظور السائد في مرتكزات بناء قوة الدول العسكرية، وكشفت عن استراتيجيات جديدة في بناء الجيوش والدفاع عن السيادة وحماية الدولة من الاعتداءات.

وقد ظهرت مرتكزات جديدة، أبرزها الانتقال من مجرّد المحافظة على الحدود وحمايتها إلى تحصين الأجواء وصيانتها من الاختراق، وهذا يعتمد على مدى امتلاك الدولة للتكنولوجيا الحديثة في مجال الرقمنة المعاصرة والتفوّق فيها، وقدرتها على استخدامها دون الحاجة إلى الدول المجهِّزة.

أي أن تكون الدولة هي صاحبة هذه التكنولوجيا، وهو أمر لا يتحقق إلا من خلال إعداد خطط مستقبلية تستقطب الشباب، عبر توفير إمكانيات الوصول السهل إلى التقنيات الحديثة منذ سنوات الدراسة الأولى، لإيجاد ارتباط وثيق بين عقل الفرد ومجالات الاكتشاف، وصولاً إلى ابتكارات واختراعات تغرس لديهم الرغبة في التطوير، كما أنّ بناء المراكز البحثية تحت إشراف المختصّين يُعَدّ خطوة أساسية في هذا المسار، مع الاستفادة من تجارب الدول المتقدّمة في هذا المجال، من خلال ابتعاث الطلبة للدراسة هناك واستيراد هذه التكنولوجيات.

إنّ امتلاك التكنولوجيا الحديثة يسهم بشكل كبير في تحسين الاقتصاد وزيادة المساهمة في الناتج المحلي، فضلاً عن كونه مصدراً أساسياً من مصادر قوة الدولة.

ويشهد العالم الآن ثورة في مختلف المجالات، ولعلّ أهمها المجال العسكري، كونه جزءاً من هيبة الدولة وقوة القرار السياسي، الذي لا يكتمل إلا بخلق مكانة دولية تُحسَب لها ألف حساب في المحافل العالمية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى