معادلة بناء الثقة

كتب د. محمد وليد صالح: يسهم الإعلام في استدامة تنمية المجتمعات وتطويرها بالاتجاه الذي يؤدي إلى زيادة المعارف وتوسيعها ونقلها وتعبئة الرأي العام وإيقاظه، فيما يتعلق بقضايا الإنسان الماسة والمرتبطة بمصالح ومقدرات الدول المتقدمة تقنياً، ولا سيما كونه أداة للهيمنة الثقافية.
تشير المعادلة إلى حقائق جوهرية لا يمكن إنكارها تتمثل في الخلل الناجم عن التوزيع غير العادل في الخريطة العالمية وتمركز مصادر الإعلام من ناحية الإنتاج والتوزيع في الدول التي تسيطر على مصادر القوة العسكرية والاقتصادية، فضلاً عن انعكاسات الدعاية الدولية وما يترتب عليها من ترويج للثقافات الأجنبية على الثقافات المحلية.إلا أن كثيراً من المؤسسات تواجه هذا الموضوع بعدم الجدية والاهتمام، والقسم الآخر يعده قضايا نظرية بحتة لا تلامس الواقع، فيما ينظر لها آخرون على أنه من مهام المؤسسات غير الإعلامية، ويكون مدى تأثيرها في القضايا السياسية والاقتصادية التي تهم الدول التي تتبع فلسفتها أو النظام السياسي القائم فيها ضعيفاً.
أي أن الجمهور المتابع لها في الظروف الاعتيادية يصل إلى درجة عدم الثقة فيها ولا يتأثر بما يتلقاه منها. وبالمقابل، نجد الجمهور نفسه يتأثر بوسائل أخرى قد تكون مختلفة في فلسفتها واتجاهاتها، ولذلك نرى أن هناك مؤسسات إعلامية تمكنت بواسطة حرفيتها ومراعاة الجانبين العلمي والمهني من تأمين مصداقيتها لدى الجمهور وتقوية ثقته بها.بطبيعة الحال، جمهور وسائل الإعلام متنوع، فالكلمات والصور المطبوعة والتلفزيونية والتسجيلات الصوتية ذات تأثير في تفكير الإنسان وثقافته.
فالاتصالات الرقمية تتجه نحو تشجيع الفردانية، ووسائل الإعلام الدولية تزيد من حرية الأفراد وسط أجواء العولمة والديمقراطية وتنشيط الأسواق الاقتصادية.جي. إم. روبرتس في عام 1985 قال: إن القِيَم الغربية ستصبح عالمية، فالغرب أوجد عالماً داخل عالم يسمونه (الغَرْبَنَة) التي أدت إلى جعل الأسلوب الغربي والترويج له نموذجاً، وتؤثر عولمة وسائل الإعلام على العلاقات الدولية أثناء الأزمات، وتمكّن هذه الوسائل قادة العالم والأمم والأطراف التجارية والمنظمات غير الحكومية من الوصول إلى المعلومات والأخبار حول الأحداث المختلفة ومساعدة الشعوب على معرفة الأزمات والتوجهات لمعالجتها.إن الثقافة الخالية من التعصب تبدو مطليّة وليست حقيقية، فحين يتم استقبالها يبدأ التأثير، أي أن الأفراد يتجاهلون قسماً من القِيَم ويتبنون القسم الآخر. ويرى قسم من الباحثين الغربيين أن صادرات الثقافة الأمريكية في وسائل إعلامها تؤثر في الثقافات الشعبية للدول الأخرى، أي أن تلك عملية لإنجاح الهيمنة الثقافية في خطوة أولى، بحسب فريدريك تيبسون عام 1999.
فإن الأمن الإعلامي شامل للحصانة للحفاظ على شخصية الحالة وخصوصيتها، ووجود رادع غير قمعي؛ لكون الإعلام بوسائله كافة أحد ركائز الأمن القومي لمصلحة الأوطان العليا، في حيز جغرافي أصغر ضمن إطار المنطقة نفسها، وقد يكون على صعيد المؤسسات وإمكاناتها على إقناع المتلقي وإبهاره وجذبه في الحالات العادية، فضلاً عن مدى تأثيرها في القضايا الكبرى التي تهم الدول التي تتبعها، أو ضعف الاتجاهات الإعلامية والسياسية السائدة إلى درجة أن جمهورها المتابع لها في الظروف العادية لا يثق فيها ولا يتأثر بما توجهه إليه من طروحات، ونجده يتأثر بمؤسسات أخرى قد تكون غير صديقة لتلك الدول في بعض الأحيان أو تخالفها في الفكر
والاتجاه



