مقالات
أخر الأخبار

هل تفعلها أوروبا؟

كتب محمد صابرين.. السؤال الكبير الآن هو “هل تفعلها أوروبا؟”، ثمة آمال كبيرة من أن تجبر حرب الإبادة في غزة القارة العجوز على التدخل بقوة لوقف مجازر الاحتلال، وفتح الطريق لحل الدولتين وقيام الدولة الفلسطينية.

وتترقب الأنظار المؤتمر الدولي للتسوية السلمية لقضية فلسطين المقرر عقده في نيويورك، برئاسة السعودية وفرنسا. ويعقد على أساس أن “حل الدولتين” هو المرجعية، وأن يرتبط التنفيذ بإطار زمني محدد، وتحديد التزامات عملية لكل الأطراف، ووضع آليات دولية لضمان الاستمرارية.

ويأتي ذلك وسط انتعاش ملحوظ في دعم القضية الفلسطينية داخل أوروبا، وهناك الآن سياسيون “يجرؤون على التحدث” ضد اللوبي الإسرائيلي والإدارة الأمريكية.

ويُؤمل أن تنهض كتلة الدول الأوروبية الواقعة جنوب البحر الأبيض المتوسط داخل الاتحاد الأوروبي، بقيادة إسبانيا وفرنسا، بقوة لدفع دول الاتحاد نحو “خارطة طريق” لإقامة دولة فلسطينية مستقلة وفرض عقوبات على نظام الاحتلال الإسرائيلي الذي يشن حرب إبادة ضد الشعب الفلسطيني. وارتفعت الآمال بعدما طالبت 25 دولة غربية بإنهاء الحرب فورا في غزة.

وأكدت الدول الغربية في بيان مشترك، أصدرته دول تتقدمها بريطانيا وفرنسا وإيطاليا وكندا وأستراليا، أنه بعد 21 شهرا على بدء الحرب بين إسرائيل وحركة حماس، نتجت عنها أوضاع انسانية كارثية تطال سكان القطاع الذين يتخطى عددهم مليوني شخص، بلغت حد الجوع وسوء التغذية، مع تقييد الدولة العبرية دخول المساعدات الإنسانية.

ودعت هذه الدول “الأطراف والمجتمع الدولي على التوحد في جهد مشترك لإنهاء هذا النزاع المروع عبر وقف فوري وغير مشروط ودائم لإطلاق النار.

وفي خطوة نادرة ندد الملك فيليب ملك بلجيكا، بالانتهاكات الإنسانية الجسيمة في غزة، حيث يموت الأبرياء جوعًا ويسقطون ضحايا للقنابل ويختنقون في قطاعهم المحاصر، مضيفًا أنه قد طال أمد الوضع الراهن، وهو وصمة عار على البشرية جمعاء، مؤكدًا على دعمه دعوة الأمين العام للأمم المتحدة لإنهاء هذه الأزمة التي لا تُطاق فورًا.

وفي الوقت نفسه كشفت السلطات البلجيكية عن أنها احتجزت لفترة وجيزة إسرائيليين، حضرا مهرجان للموسيقى الإلكترونية، بعد أن اتهمتهما جماعات مؤيدة للفلسطينيين بارتكاب جرائم حرب.

وقد ازدادت الآمال مع إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن نية فرنسا الاعتراف بالدولة الفلسطينية قريبا. ويأتي هذا عقب إعلان النرويج وايرلندا وإسبانيا وسلوفينيا مؤخرا اعترافها بدولة فلسطين.

وبذلك، يرتفع عدد الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي التي تعترف بفلسطين إلى 12 من أصل 27. وبالرغم من ذلك ثمة جدل حول الدور الأوروبي في العالم والمنطقة العربية وهو جدل قديم، وقد تبلور بوضوح في عهد الجنرال ديغول، الذي اتخذ مواقف داعمة للحقوق العربية والفلسطينية. كما تحتفظ الذاكرة العربية بذكريات طيبة لرئيس الوزراء الإسباني الشهير فيليبي غونزاليس.

ومنذ ذلك التاريخ، لا يزال الجدل حول الدور الأوروبي في المنطقة مستمرًا، وظلت الآمال معقودة على إسبانيا وفرنسا، سواء في عهد الرئيسين العظيمين فرانسوا ميتران وجاك شيراك، اللذين دعما الحقوق الفلسطينية بوضوح، وانتقدا السياسات الإسرائيلية مرارًا، بل وأدانا بعضها في مجلس الأمن.

وينطبق الأمر نفسه على الرئيس الحالي ماكرون، الذي أدان مرارًا استئناف إسرائيل عدوانها على غزة، وأعلن عزمه الاعتراف بدولة فلسطينية. عبّر الرئيس الفرنسي ماكرون بوضوح عن موقفه من الوضع في غزة بكلمات إنسانية رقيقة خلال زيارته للجرحى الفلسطينيين في مستشفى العريش.

وأعلن رفضه استهداف المدنيين، وحمّل إسرائيل مسؤولية استئناف العدوان على غزة.في هذه المرحلة الحرجة التي يمر بها الشرق الأوسط، يراقب العالم العربي سلوك أوروبا، وما إذا كانت ستلتزم بمعاييرها الأخلاقية أم ستلجأ إلى “المعايير المزدوجة”.ومن الإنصاف الإشارة إلى أن إسبانيا كانت من أوائل الدول، التي رفضت اقتراح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بترحيل الفلسطينيين من قطاع غزة.

ففي تصريح لافت أكد وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس أن “غزة ملك للشعب الفلسطيني الذي يعيش فيها. يجب أن يبقى الفلسطينيون هناك، وعلينا مساعدتهم على بناء حياة جديدة”. وأكدت مصادر إسبانية مطلعة أن الحزب الاشتراكي، بقيادة رئيس الوزراء بيدرو سانشيز، وحليفه ائتلاف “سومار” اليساري، “ملتزمان بشدة بالقضية الفلسطينية”.

وتماشيًا مع هذه السياسة، ألغت إسبانيا صفقة أسلحة مع إسرائيل تحت ضغط سياسي داخلي.ويرى البعض أنه لا ينبغي الاعتماد على أوروبا. فرغم تصريحات ماكرون القوية وموقفه الثابت من ضرورة وقف الحرب، إلا أنه لن يتمكن من تنفيذ تصريحاته إلا بدعم أمريكي لهذه السياسات، أو قدرة عربية موحدة قادرة على فرض حقائق جديدة تُقنع المجتمع الدولي والولايات المتحدة بضرورة وقف إطلاق النار، وفرض تسوية سياسية، وحل الدولتين.

ويُجادلون بأن قدرات أوروبا الحالية لا تسمح لها بتأسيس مسار تفرضه على المجتمع الدولي، بل بإمكانها تعديل أو تحسين شروط مسار قائم، وأن دورها سيبقى مهمًا في هذا المجال. فالموقف الأوروبي مفيد في تغيير الموقف الأمريكي أو حتى تعديل جزء من النظام العالمي، لكنه عاجز عن خلق بديل له.

لا ينبغي النظر إلى الدور الأوروبي على أنه قادر على بناء بديل للنظام السائد الحالي، الذي تقوده الولايات المتحدة ومنافسيها البعيدين، الصين وروسيا.

ووفقًا لهذه الرؤية، يمكن للاتحاد الأوروبي أن يكون منافسًا إذا بنى كيانًا سياسيًا وعسكريًا موحدًا، وليس مجرد تحالف اقتصادي. ورغم كل شيء، ثمة مؤشرات قوية على تحرك أوروبي، سواء على مستوى الشارع أو في الجامعات أو بين جيل الشباب، نحو دعم قوي للقضية الفلسطينية. واليوم نشهد تفاهماً أكبر بين السياسيين والنخب الأوروبية، وفهماً لضرورة حل الصراع المزمن في الشرق الأوسط، ونأمل أن تفرض مأساة غزة لحظة مختلفة، ربما تحرك الضمائر وتغيير المعادلات في أوروبا والشرق الأوسط.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى