مقالات

هل ستكون غزة تحت الوصاية الدولية؟

كتب محمد شريف أبو ميسم: بعد أن أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب فجر الخميس الماضي عن توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، نفذت قوات الاحتلال الصهيوني قصفاً جوياً ومدفعياً على مدينتي غزة وخان يونس بعد نحو ساعةٍ من ذلك الإعلان، الأمر الذي يعيد إلى الأذهان ما عُرف عن هذا الكيان بشأن عدم التزامه بالاتفاقيات والوعود، وعدم احترامه للمواثيق والأعراف الدولية منذ تأسيسه في العام 1948.

وفي وقتٍ نقل فيه عن مصدرٍ مقربٍ من الوسطاء أن ترامب قدّم ضماناتٍ بعدم السماح لإسرائيل باستئناف الحرب بعد استعادة الأسرى، تبدو الشكوك واردةً جداً بشأن عدم التزام الكيان الصهيوني بوعوده بعد إطلاق سراح الأسرى، جراء عدم تحقيق أهداف الحرب، والمتمثلة بالقضاء على المقاومة الفلسطينية في غزة، وإخلاء القطاع من سكانه، بجانب تحرير جميع الأسرى بالقوة. ولا تبدو هذه الشكوك غير محتملةٍ إلا بوجود خطةٍ بديلةٍ عن خطة إفراغ غزة التي تبناها ترامب نيابةً عن حكومة الكيان.

وحظي الاتفاق بدعمٍ دوليٍّ تحت تأثير الرأي العام العالمي الذي بدا موحداً وبشكلٍ لافتٍ وغير مسبوقٍ للمطالبة بوقف جرائم التجويع والتطهير العرقي التي يرتكبها الاحتلال الصهيوني جهاراً نهاراً، بجانب الضغط المتصاعد في العواصم العالمية التي اعترفت بدولة فلسطين مؤخراً، والصمود الأسطوري للمقاومة. فظهر خطاب ترامب بحلّةٍ جديدة، ليعلن قوله لنتنياهو عبر الهاتف (إن إسرائيل لا يمكنها أن تحارب العالم، وإنه هو يفهم ذلك جيداً..). وهنا، فإن ما ورد في بنود تنفيذ المرحلة الأولى من الاتفاق التي أُعلن عنها بشأن انسحاب جيش الاحتلال (إلى خطٍّ متفقٍ عليه كخطواتٍ أولى نحو سلامٍ قويٍّ ودائم)، كما قيل، قد لا يبدو مبهماً ومثيراً للريبة إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار تلميحات ترامب التي قال فيها: “ستشهدون إعادة إعمار غزة ونحن بصدد تشكيل مجلس السلام وسيتم الاعتناء بالناس!”.

وكأن غزة وسكانها سيكونون تحت الوصاية الدولية، بموجب ما سمي بـ “خطة ترامب للسلام”، بعد أن فشلت مساعي إفراغ المدينة عبر تهجير الأسر نحو مصر والأردن، إذ يبدو أن ضم القطاع للأراضي المحتلة بات أمراً صعباً للغاية تحت ضغط الرأي العام الدولي وقدرة المقاومة على الصمود طويلاً، وباتت إشكالية غزة بوصفها أرضاً فلسطينيةً منفصلةً عن الضفة الغربية أمام ما هو واضح بشأن الشروع بإقامة مشروع الشرق الأوسط الجديد، تحتاج إلى معالجةٍ بديلةٍ عن فكرة تهجير السكان، ومن ثم الإعلان عن دولةٍ فلسطينيةٍ منزوعة السلاح على جزءٍ من أراضي الضفة الغربية، ليكون هذا الإعلان انتصاراً للقضية الفلسطينية بمباركةٍ دوليةٍ وجماهيريةٍ مدعومةٍ إعلامياً، لإنهاء توريث الصراع مع الكيان الصهيوني، وسحب البساط من تحت أقدام كل أشكال الرفض والمقاومة لوجود الكيان الصهيوني في المنطقة.

الأمر الذي يُرجّح أسلوب التورية خلف الاستثمار وإعادة الإعمار في سياق تكتيكٍ جديدٍ لذات الاستراتيجية التي تستهدف مصادرة الأرض لصالح الشركات التي تحكم العالم، بعد أن حلّ الدمار والخراب في البنية التحتية والفوقية، وأصبحت المدينة وضواحيها غير صالحةٍ للعيش، لتكون في بادئ الأمر أرضاً دوليةً تحت إشراف ما أُطلق عليه ترامب “مجلس السلام”. وما قول ترامب (وسيتم الاعتناء بالناس..!) إلا تلميحاً واضحاً لمرحلةٍ جديدةٍ تكون فيها الوصاية الدولية والأميركية بشكلٍ خاص على كامل القطاع في غزة هي البديل غير المباشر عن سلطة المقاومة، فحين يرى هؤلاء الناس تدفق الرساميل والشركات لبناء مدينةٍ تضمن لسكانها الذين أنهكتهم جرائم الحرب والتجويع والحصارات المتعاقبة على مدار سنين، ما يتيح للأجيال الجديدة إمكانية الحصول على فرصةٍ للعيش بسلامٍ مع شركاء بأسماءٍ ويافطاتٍ عربيةٍ بدعوى الاستثمار والإعمار، سيكون القبول بالواقع الجديد تحصيل حاصلٍ دون حربٍ أو إداناتٍ دولية. ومن يعرف الشركات التي تحكم العالم سيعرف من يدير حركة الرساميل التي تحمل يافطاتٍ عربية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى