
كتبت وفاء الفتلاوي.. بعد أيام من التصعيد وهدير الصواريخ وضجيج التصريحات المتضاربة، بدأ الغبار يهدأ وظهرت ملامح المشهد بوضوح أكبر من الذي تقدم؟ ومن الذي تراجع؟ وهل انتهت المعركة أم أن ما جرى كان مجرد جولة من جولات صراع طويل؟.
في خضم هذه الأسئلة تتجه الأنظار إلى النتائج على الأرض حيث لم تقم الاحتفالات الصاخبة؛ لكن تغيرت حسابات القوة بعد ان خاضت إيران واحدة من أدق المواجهات مع الكيان الصهيوني، ولم تكتف بإطلاق الصواريخ والمسيرات، بل وجهت رسالة سياسية وعسكرية معقدة مدروسة في توقيتها ومدى تأثيرها.
لكن الرد الإيراني لم يكن وليد اللحظة بل جاء بعد تراكم من التهديدات والاعتداءات تدرجت من اغتيالات إلى استهداف بنى تحتية عسكرية حساسة، ومع ذلك بدا أن طهران قرأت المعركة بدقة فهي لا تبحث عن حرب مفتوحة؛ لكنها لن تتردد في توجيه ضربة موزونة توقظ العدو دون أن تشعل المنطقة بالكامل.
اما الكيان الصهيوني وعلى الرغم من ترسانته ودعمه الغربي والاميركي ظهر مرتبكاً أمام رد غير تقليدي بتقنية صمت استراتيجي متمثل بـ(السجيل والفتاح وخيبر)، ثم استنجاد بالوسطاء وترويج لانتصار وهمي في الإعلام؛ لكن خلف الكواليس كانت الحسابات مختلفة فهل يمكن لهذا الكيان أن يتحمل حرب استنزاف متعددة الجبهات من غزة إلى لبنان ومن العراق إلى إيران؟.
وفي المقابل الولايات المتحدة الحليف التقليدي لتل أبيب التي بدت هذه المرة أكثر ميلاً للتهدئة بعد استهداف قواعدها العسكرية في المنطقة واكبرها في العديد بدولة قطر بصواريخ ايرانية فائقة الدقة، مدفوعة برأي عام داخلي وتظاهرات شعبية رافضة لا ترغب بخوض مغامرات عسكرية جديدة، ايضاً هي مكبلة بحروب طويلة اقتصاديا وعسكرياً لم تحسم من أوكرانيا إلى بحر الصين الجنوبي.
ولعل الأهم في هذا المشهد هو غزة وإن لم تكن ساحة المواجهة المباشرة، هذه المرة كانت الحاضر الغائب، فكل صاروخ أُطلق من مكان آخر حمل في دلالته معنى أوسع أن فلسطين ليست وحدها وأن كل رصاصة تطلق في وجه المشروع الصهيوني وإن اختلف موقعها تعيد رسم خريطة الاشتباك وتكسر وهم الهيمنة.
في النهاية لم يرفع علم أبيض ولم تعقد مفاوضات علنية؛ لكن توازنات المنطقة لم تعد كما كانت، وإذ يعتقد البعض أن المعركة انتهت فإن الوقائع تشير إلى أنها بدأت تأخذ شكلاً جديداً، صراع يتنقل بين الساحات ويكتب فصوله على أكثر من جبهة ويبقي سؤال “من المنتصر؟” مفتوحاً… بانتظار الجولة القادمة .