
تخيل أنك تسترخي في بيتك في هدوء وانسجام، وفجأة يطرق بابك زائرٌ غريبٌ أتى من مكان بعيد جدا، لا تعرف شيئا عن أصل.
هذا بالضبط ما يشعر به علماء الفلك اليوم وهم يراقبون بدهشة الزائر النجمي 3I/أطلس، وهو مذنب قادم من خارج نظامنا الشمسي، من أعماق المجرة، ليمر بجوارنا حاملا أسرارا عن تكون الأنظمة الكوكبية البعيدة.
إنه ليس جسما عاديا من حزام الكويكبات أو المذنبات المعتادة، بل يبدو “مبعوثا استثنائيا” من نظام شمسي آخر، ما يمنحنا فرصة فريدة لدراسة مواد من عالم بعيد دون الحاجة لتحمل المشاق والسفر إليه.
واكتشف هذا الجسم المجهول غريب الأطوار في الأول من حزيران 2025، حين رصد تلسكوب أطلس، وهم ضمن نظام التنبيه الأخير لاصطدام الكويكبات بالأرض، في مرصد بإحدى صحاري تشيلي، نقطة ضوء خافتة في السماء، وبعد أيام من التتبع والرصد، تأكد العلماء أنهم أمام شيء استثنائي، لم يكن مسار هذا الجسم عاديا على الإطلاق.
الرقم 3 في الاسم، حصل عليه هذا الجسم المجهول لكونه ثالث جسم “عابر للنجوم” يتم رصده على الإطلاق في نظامنا الشمسي، بعد “أومواموا” الغامض عام 2017 والمذنب “بوريسوف” عام 2019، في حين يشير الحرف “I” إلى كلمة “Interstellar“، وتعني “بين النجوم”.
قرر العلماء تصنيف “الزائر” مذنبا وليس كويكبا، لأنه أظهر علامات واضحة على نشاط مذنبي، حيث لوحظت حوله سحابة خفيفة من الغاز تشكل ما يشبه “ذيلا” قصيرا، وهي السمة المميزة للمذنبات حين تقترب من الشمس وتنشط.
من أبرز خصائص رحلة هذا “المذنب” سرعته المذهلة، يتحرك 3I/أطلس بسرعة هائلة تصل إلى حوالي 68 كيلومترا في الثانية، أي حوالي 244.800 كيلومتر في الساعة! هذه السرعة أكبر من أن تكون مقيدة بجاذبية شمسنا، ما يؤكد أن الجسم الغامض، زائر عابر ودخيل لا ينتمي إلى عائلة النظام الشمسي.
ما الغريب في سلوك الجسم “3I/أطلس”؟ إنه يسلك مسارا في شكل زائدي، هذا المسار هو لجسم يتحرك بسرعة أكبر من اللازم للهروب من جاذبية جسم مركزي، ما يؤدي إلى مسار مفتوح بشكل قطع زائد.
هذا المسلك يعني أن “المذنب” دخل نظامنا الشمسي وسيغادره إلى الأبد من دون رجعة، الأكثر إثارة أن مداره مائل بشدة وهو يتحرك بشكل عكسي مقارنة بمدارات الكواكب.
واندهش علماء الفلك بشدة من سلوك هذا الجسم الدخيل والغامض لعدة أسباب منها، أن مساره بين كواكب متعددة مثل المشتري والمريخ والزهرة يبدو كما لو أنه أُعد مسبقا بدقة.
علاوة على ذلك، سيختفي الجسم الدخيل خلف الشمس عند أقرب نقطة منها، ما قد يُفسر على أنه محاولة متعمدة لتجنب رصده، كما أن سرعته واتجاهه تتغيران كما لو أن قوة اصطناعية تقوده.
هذه السمات المذهلة، دفعت البروفيسور آفي لوب، الفيزيائي وعالم الفلك في جامعة هارفارد إلى افترض إمكانية أن يكون الجسم المجهول مسبارا اصطناعيا من حضارة عاقلة مجهولة، هذا الرأي لا تتفق معه أغلبية علماء الفلك.
الأمر الذي يهم جميع سكان الأرض يتعلق بمدى سلامة كوكبنا، هذا “الدخيل الغامض”، كما يؤكد المختصون، لا يشكل بشكل قطعي أي خطر على الأرض، هو سيبقى على مسافة آمنة للغاية تبلغ حوالي 267 مليون كيلومتر من الأرض في كانون الأول 2025، مع ذلك بعض الأصوات تتساءل: “ماذا لو صدقت ظنون عالم الفلك الأمريكي”؟