{دجلة الخير} أكثر من مجرد مجرى مائي

كتب أ.د.محمد بهجت ثامر: يعد نهر دجلة من الأنهار الدولية غير الملاحية، إذ ينبع من داخل الأراضي التركية ثم يدخل الأراضي العراقية عند نقطة التقاء الحدود الثلاثية بين تركيا وسوريا والعراق، ورغم أن (82 بالمئة) من طول النهر يجري داخل بلاد الرافدين، إلا أن وقوع منابعه داخل الأراضي التركية، منح تركيا موقعاً متميزاً وقوة استراتيجية مهمة في ما يتعلق باستخدام مياه النهر في مشاريعها الإروائية والكهرومائية، وتسخير سياستها المائية في الضغط على دول المصب (العراق).
إذ إن الهدف الخفي الذي ترمي إليه تركيا في سياستها المائية، هو محاولة تغليف مسألة المياه بإطار سياسي وذلك بسعيها الدائم إلى المماطلة والتسويف، فضلاً عن إطالة المفاوضات كي يتيح لها ذلك الاستمرار بسياسة بناء المشاريع الإروائية على نهر دجلة، من دون الالتفات إلى حقوق العراق المائية وفق القوانين الدولية.
فالأتراك ماضون بالاستحواذ على مياه دجلة والتصرف بمياهه أسوة بالدول النفطية التي تملك حق التصرف بثرواتها النفطية، وبناء على ذلك صدرت العديد من التصريحات التي تؤكد رغبة تركيا في استثمار المياه اقتصادياً، إذ أكد رئيس الوزراء الأسبق سليمان ديميريل، عندما كان رئيس وزراء صرح في عام 1992 (أن المياه التي تنبع من تركيا، هي ملك تركيا، مثلما هو النفط ملك للبلدان التي تنبع فيها، ونحن لا نقول لهم إننا نريد مشاركتهم نفطهم، كما أننا لا نريد مشاركتهم مياهنا)، نتج عن هذه الحملة الممنهجة إنشاء العديد من السدود على نهر دجلة آخرها سد “إليسو” عام 2018، ما أدى إلى تدني واضح في مناسيب دجلة الخير، والتي أظهرتها الصور المنتشرة في مواقع التواصل الاجتماعي، حيث أثارت غضب واستياء وحزن العراقيين فهذه ليست مجرد صور، بل شهادة موت معلن لأحد أعظم كنوز العراق الطبيعية وعبق تأريخه العريق.
الأمر الذي أدى إلى تداول وسم (إنقذوا_دجلة_الخير) والذي انتشر كالنار في الهشيم مع حملة مقاطعة المنتجات التركية احتجاجاً على جفاف نهر دجلة الخير، لذا على اللجنة العليا المشتركة العراقية – التركية، مسؤولية معالجة هذا الملف الشائك للمحافظة على ما تبقّى من النهر، فهو ليس مجرّد مجرى مائي، بل هو رمز العراق وذاكرته، وحمايته واجب وطني وأخلاقي



