مقالات

أسطورة صمود .. أهلُ غزة أدرى بشعابها

كتب د هاني عاشور: عائدون.. مشيا على الاقدام لمسافة اكثر من عشرين كيلو مترا، محملين بالأمل والصمود، أطفالهم معهم وشيوخهم وعجائزهم على ظهورهم.. عائدون إلى ديار مخربة وانقاض تحكي ذكريات، ولكنهم عادوا ليصنعوا اسطورة جديدة يتعلم منها العالم اليوم .

رغم وقف إطلاق النار، ولكن يتحسب الجميع لما يمكن ان يفعله نتنياهو لتخريب الاتفاق، لأنه خرج خاسرا بكل معاني الخسارة، فهو لم يستطع ان يكتشف الانفاق التي فيها أسراه، الذين طالما تخلى عنهم، فيما كانت تغوص شوارع تل ابيب يوميا بتظاهرات عارمة ضده تدعوه لوقف الحرب واطلاق سراح ابنائهم الأسرى، خسر لأنه اثقل اقتصاده بالديون وساهم في تدميره وجعل آلاف الشركات تغادر دولته المزعومة ويهاجر آلاف الصهاينة منها بعد أن خدعوهم بحلم أرض الميعاد، ودفع آلافا من جنوده للموت أو العوق، متذرعا بأنه قتل آلاف الاطفال والنساء والشيوخ الغزّيين ليقول انه عكس صورة البطل، ولكن الحقيقة انه عكس صورة الجريمة، التي أدانها العالم كلّه وجعل كل عواصم الدنيا تثور ضدّه، ومحاكم العالم العدل والجنائية الدولية تصنّفه مجرم حرب ممنوعا من السفر لأغلب دول العالم، بوصفه ارتكب ابادة جماعية مكتملة الاركان وفق القانون الدولي، التي تمادى وأمعن في ارتكابها على مدى عامين في قطاع غزة .

واخيرا سيعود الدواء لعلاج اطفال غزّة والماء والغذاء لينعموا بوجبة طعام بعيدا عن دخان القصف، سيعود للخرائب اهلها الذين لم يستطيعوا أن يفارقوها وظلت تعيش في عيونهم رغم عشرات آلاف الاطنان من القنابل التي أُلقيت عليهم، بما يعادل حسب احصائيات علمية اكثر من 13 قنبلة نووية، كالتي أُلقيت على هيروشيما وناكزاكي في اليابان .

يعود اهل غزّة لكي يكملوا البحث عن أحبائهم المفقودين تحت ركام المباني ويقيمون لهم مراسم الدفن والعزاء، فيما سيرى ابناء الاحتلال ان نتنياهو ورّطّهم في تشويه سمعتهم عالميا وقدّمهم بصورة المجرمين بحق الانسانية والتاريخ، وسيلقى عقابه في أول انتخابات قادمة ستجري في اسرائيل ليتركه الناس في مزبلة التاريخ مع رفيقيه ووزيريه بن غفير وسيموتريش .

حرب غزة في العامين الماضيين كانت صراعا يفوق عمره 80 عاما من الاحتلال لأرض فلسطين، وهو صراع ممتدّ لن ينتهي اليوم أو غداً، بل كما وصفه الشاعر نزار قباني بقوله (ما بيننا وبينكم لا ينتهي بعام .. ولا بألف عام) .

لا يمكن لعقل بشري أن يتخيّل ما جرى في غزّة ولو وصفته آلاف الروايات، لكن الحقيقة هي ان اهل غزّة كانوا أعرف بأنفسهم من غيرهم، بل من امة تخلت عنهم حين عاشوا مع الموت عامين، دون ان تصل اليهم حفنه طحين أو علبة غذاء أو قارورة ماء من ابناء عمومتهم .يدرك الغزيّون ان الحرب لم تنته، وانها يمكن ان تعود في أية لحظة، لكنهم عادوا ليعلّموا العالم معنى العودة للديار والاهل والذكرى والصمود فأهل غزة يعرفون بيوتهم وأزقتهم وشوارعهم كما يعرفون انفاقهم واين تكمن القوة ودروع الصمود. انهم اسطورة صمود كبرى في عالم يتحلل، لكنهم هم الابقى..فأهل غزّة ادرى بشعابها .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى