مقالات
أخر الأخبار

الحشد الشعبي.. التأسيس وصناعة ملاحم النصر

كتب صادق كاظم..  مر العراق في حزيران من العام 2014 بواحد من اقسى واخطر التهديدات التي لم يواجه مثلها منذ اعلان تأسيس حكمه الوطني في العام 1920، عندما تعرضت وحداته العسكرية في مناطق غرب العراق إلى الانهيار وعجزت الفرق القتالية، التي كانت تشكل حائط الصد الاساسي لحماية المنطقة الممتدة من الموصل وكركوك حتى اطراف بغداد عن صد هجمات مجاميع الإرهابيين، الذين استغلوا هذا التراجع غير المبرر ليتمددوا بسرعة كبيرة في تلك المناطق وبشكل مفاجئ ومثير للاستغراب.

كان الوضع الميداني وفي الموصل خصوصا منهارا، حيث كان الفساد متوغلا وعميقا في داخل الاجهزة الامنية المكلفة بحمايتها، وكان الصراع السياسي فيها محتدما بين الحكومة المحلية، التي تديرها والحكومة المركزية في بغداد وكان تبادل الاتهامات علنيا وعلى مرأى ومسمع من الجميع، فيما استغلت عصابات “داعش” الارهابية هذه المشكلات والانقسامات ليضاعف من تواجده السري في المدينة واطرافها مع وجود خلايا نائمة خطيرة للسيطرة على المدينة في ظل وجود خط امدادات مفتوح من العمق السوري.

كان الموقف يزداد خطورة ولم تتحرك القيادة سريعا وقتها لمعالجة الموقف أو ترميمه باتخاذ اجراءات وتدابير وقائية للحيلولة دون حصول الانهيار مثل تعزيز القوات في المدينة وشن عمليات خاطفة ضد معاقل واوكار التنظيم في المدينة وخارجها والاستعانة بقيادات محترفة اكثر خبرة وكفاءة، بل ترك الامر من دون تقدير حقيقي وواقعي لتلافي الموقف.

كانت الشائعات السلاح الاخطر وتدني المعنويات واضحا والصراع المحتدم بين المسؤولين شديدا، وهي عوامل قادت وفاقمت من الانهيار الذي حصل في الموصل وادى إلى وقوع الكارثة.

امام تدهور الموقف وانسحاب القوات التي اعقبها اعلان عصابات “داعش” الإجرامية السيطرة على المدينة كان لا بد من حل سريع لاستيعاب الموقف ومعالجته بسرعة، فكان الرد العظيم من قبل المرجعية المباركة الممثلة بالسيد علي السيستاني حاسما، حين اطلقت ذلك النداء التاريخي بالإعلان عن وجوب مشاركة باقي المواطنين المدنيين من القادرين على حمل السلاح للتطوع ودفع الغزاة التكفيريين عن الارض والوطن والمعروف بالجهاد الكفائي، حيث كانت الاستجابة مذهلة من خلال اكثر من 60 الف متطوع يملؤهم الحماس والرغبة بالقتال قد سارعوا خلال ايام قليلة إلى التطوع، اذ ازدحمت بهم المقرات والمعسكرات ليتم بعدها تشكيل الالوية وتوزيعها بين قواطع العمليات مع اعادة تشكيل الفرق العسكرية واعادة تسليحها ووضع خطط متكاملة للعمليات تتضمن اعادة تحرير المناطق المحتلة وفق الاسبقيات والضرورات.

اذ كانت هذه الفتوى البداية المباركة لتأسيس الحشد الشعبي الذي أحدث وجوده انعطافة كبيرة في الميدان وكان البداية الحقيقية لإعلان النصر وهزيمة الارهاب ودحر العدوان.

لقد سارعت تشكيلات الحشد ومنذ اكتمال مقومات بنائها وتهيئتها للمعركة وبمختلف عناوينها القتالية إلى وضع الخطط الميدانية السريعة لاستعادة زمام الموقف، من خلال اعطاء الاولوية للمناطق القريبة من بغداد ومن ثم التحول نحو الاطراف وصولا إلى مدينة الموصل لاحقا فكانت معركة آمرلي رغم عدِّها واحدة من الملاحم الفذة بعد طول حصار تعرضت له تلك المدينة والصمود الاسطوري من قبل اهلها.

كما ان معركة تحرير جرف النصر واحدة من العناوين البطولية المتميزة التي سطرها ابطال الحشد الذين ازاحوا “داعش” عن معقل استراتيجي خطير كانت تخطط لجعله مقرا لعملياتها صوب بغداد والجنوب، فكانت الهزيمة لعناصر “داعش” في جرف النصر مقدمة لانهيار تدريجي في صفوفها امتد إلى باقي القواطع وبسرعة كبيرة، حيث تلاحقت وتوالت الهزائم والانهيارات، فكانت معارك التحرير في الفلوجة والرمادي وباقي مدن الانبار الأخرى، اضافة إلى سامراء وبلد والضلوعية والاسحاقي والشرقاط، وكذلك المعارك المتبقية في مدن ديالى ليحكم الطوق حول الموصل وكركوك ليتوالى بعدها الزحف نحو الموصل ومدنها، حيث اخذت تحرر المدن والقرى والارياف المحيطة بالموصل شمالا وجنوبا وغربا، وصولا إلى المعركة الاصعب في قلب المدينة، التي دارت فيها معارك طاحنة تعد الاقسى خلال الحرب، اذ انتهت المعارك بأكملها بعد مرور 3 سنوات تكللت بالنصر وهزيمة “داعش” من ارض العراق بشكل كلي.

سطر ابطال الحشد ملحمة نصر حقيقية وكانوا السند الداعم لقوات الجيش والشرطة الاتحادية وانجزوا من خلال سلسلة من المعارك البطولية، التي قاموا بها والتضحيات الجسام التي قدموها جميع الواجبات والمهام التي كلفوا بها والتي ستظل شاهدا على عمق الايمان لدى هؤلاء الرجال الذين نذروا انفسهم لحماية الوطن وأهله من اجرام اعتى العصابات التكفيرية التي ارادت استباحة الوطن واعلانه امارة للشر والارهاب ليس في العراق وحده، بل في المنطقة باسرها.

سيبقى يوم الثالث عشر من حزيران عنوانا خالدا للعزة والكرامة والشموخ الابي يوم تضافرت عزائم الرجال الاشاوس لصد الارهاب ودحره، ليبقى العراق وشعبه عزيزا وأبيا وعصيا على الارهاب وقوى الشر والظلام.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى