مقالات

بين الدول المتقدمة والنامية.. العراق أنموذجاً

كتبت سوسن الجزراوي: بتعريف مختصر وبسيط للدول المتقدمة والدول النامية، نجد أن الاولى هي تلك التي توصف بالصناعية، والتي تتمتع بمستويات معيشية عالية ونمو اقتصادي قوي. على الجانب الاخر تكون الدول النامية، زراعية، أو على الأقل غير (صناعية) وتميزها مستويات معيشتها المنخفضة واقتصادها الفقير.

وانطلاقاً من هذين المفهومين، تقف بعض الدول في المنطقة والعالم عموماً في المساحة الوسطية بين الاولى والثانية، وعندما ادرجت العراق كنموذج (وسطياً) بينهما، انطلقت بتقييمي هذا كونه يحتل هذا الحيز الذي يتوسط هذين الوصفين! فالعراق بكل خيراته وكنوزه الثمينة وثروته الفكرية، لم تحالفه الظروف لأن يرتقي إلى مستوى الدول المتقدمة، فالصناعة محدودة ومستويات المعيشة تتأرجح بين الجيدة والمتوسطة، ناهيك عن مستوى خط الفقر وإن كان بحدود ضيقة، فهو قد يميز اغلب الدول العربية بشكل عام ومنها العراق، ولا ننسى مسألة النمو الاقتصادي المتذبذب ايضاً، غير المستقر، ما يجعل هذا البلد يقف على حافة التصنيف الاقتصادي الممتاز.

وبشكل عام، فإن الدول المتقدمة ترتكز على مجموعة مرتكزات أو كما يقال: تقيّم وفق مجموعة من المستويات، فهنالك بلدان حققت مستويات عالية من التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.وللتوضيح أكثر دعونا نقف عند بعض منها، فالمستلزمات الاقتصادية تعتمد الاستثمار في البحث والتطوير، الذي يساهم بدوره في تطوير التكنولوجيا والابتكارات، كما يكون تعزيز التجارة الدولية أحد الركائز التي تساهم في زيادة النمو الاقتصادي والتنمية.

وفيما يتعلق بتطوير البنى التحتية مثل الطرق والجسور والمطارات فهذه احدى المنافذ المهمة التي تساعد في تسهيل النقل والاتصالات، التي بدورها تجعل امكانية التبادل التجاري سهلة وآمنة وسريعة.المرتكز الثاني هو ما يتعلق بالمستلزمات الاجتماعية سواء من خلال تعزيز التعليم وتطوير المهارات والقدرات للمواطنين، أو توفير الرعاية الصحية التي تلعب دورا مهما في تحسين صحة المواطنين وزيادة إنتاجيتهم، هذا ولا يمكن اغفال مسألة المشاركة المجتمعية كونها اللاعب الاساس في تعزيز الديمقراطية والتطور الاجتماعي الذي يشكل محوراً هاماً في تقوية دعائم التنمية.

ومثل كل القضايا، فالأمور هنا لا تخلو من وجود بعض المشكلات حتى وإن كانت هذه الدول (متقدمة)! فقد يكون التفاوت الاجتماعي والاقتصادي موجودين، على الرغم من الثروة العامة، مما يؤدي إلى تفاقم هذه الجزئية.

كما ان الدول المتقدمة تحتاج إلى الكثير من مستلزمات العيش المترف، ما يؤدي بالتالي إلى ارتفاع تكاليف السكن والخدمات، مما يولد ضغطا على دخل الأفراد، خاصة في المدن الكبرى والعواصم التجارية والادارية.

وبين هذا النوع من الدول وذاك الآخر، يبرز السؤال الأهم!، لماذا بقيت الدول النامية في هذه الزاوية أو هذا التصنيف؟ ولماذا لم تسع بشكل حقيقي للوصول إلى مصاف الدول المتقدمة حتى وإن كانت تمتلك مقومات النجاح والكثير من الثروات المادية والفكرية؟.

وللوصول إلى اجابة على هذا السؤال، نقف عند أحد المؤرخين الاقتصاديين من جامعة هارفارد، وهو (ديفيد لاندز) وما قاله في كتابه (ثروة وفقر الأمم) لماذا البعض بهذا الثراء؟ والبعض الآخر بهذا الفقر؟ والصادر عام 1998، فقد حاول أن يعزي الأسباب إلى ثلاث مجموعات من العوامل، أولها العوامل الجغرافية البيئية، وثانيها الاقتدار التكنولوجي، وثالثها العوامل الاجتماعية والسياسية، علماً بأن عالم الاجتماع العربي (ابن خلدون) كان قد أورد أهمية العوامل الجغرافية والبيئية عام 1377.

وفي تعمق اكثر بهذا المثلث البحثي، نستطيع القول: إن الجغرافية تلعب دوراً مهماً في مسألة تغيير واقع الدول من حال إلى آخر، اذا يسهم موقعها وبيئتها وتضاريسها في عملية جذب الاستثمار واستغلال هذا التنوع بما يخدم المصالح العامة المشتركة، كما أن التطور التكنولوجي له السطوة الكبيرة في هذا المجال، فالعالم ومنذ سنوات يمتثل لسلطة التقنية وتطور العمل في ادواتها، وبلا شك فإن مقياس التقدم الحاصل في انشطة الآلات الذكية، يتناسب بصورة متوازية مع تقدم الشعوب واستثمارها للفكر التكنولوجي الذي يبسط ويسهل كل شيء.

وتبقى العوامل الاجتماعية والسياسية، اللاعب الأخطر في هذه المباراة، فالمجتمع المتحضر يرفض فكرة البقاء في نفس الوتيرة من الحياة، ويسعى بكل طاقته لكسر حاجز الرتابة البشع الذي سيودي بكل مبادرات التطور إلى وديان سحيقة لا مفر منها، كذلك الحال مع العوامل السياسية وتباين الوضع بين الزعماء والرؤساء فالبعض يسعى بكل جهده للنهوض بالواقع والوصول به إلى قمة النجاح وعلى كافة الاصعدة، بينما نجد من أولئك الحكام من يمتهن الرضوخ إلى املاءات قاسية تجعله سبباً في بقاء شعبه تحت مظلة الدول النامية والتي آلت على نفسها الا أن (تظل هكذا).

وبهذا قد نقف على اجابات السؤال الذي طرحناه والذي يبقى بانتطار الخيارات الاصح والاصدق والاقوى كي ينجح في الارتقاء، نحو ما تحلم به كل الشعوب من خير وازدهار وتطور.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى