
كتب سيف الحمداني.. المنطقة على صفيح ساخن، وسجال السلاح يعود إلى الواجهة مجددًا. بين من يرى فيه ضمانة للسيادة ومن يعتبره تهديدًا للاستقرار، تدور معركة سياسية وأمنية شرسة، تتشابك فيها المواقف الإقليمية والدولية، ويزداد خلالها الضغط على العراق ولبنان لتغيير معادلة الردع التي تشكلت عبر سنوات من المواجهة والتضحيات.
يشهد الشرق الأوسط اليوم مرحلة حساسة تتقاطع فيها الملفات السياسية والأمنية، في ظل متغيرات إقليمية ودولية متسارعة. وفي القلب من هذه المعادلة، يبرز السلاح الذي يمتلكه الشيعة في لبنان والعراق، كأحد أبرز عناصر القوة والردع التي تشكلت عبر عقود من المواجهة مع الاحتلالات والتهديدات.
لقد لعب الشيعة، من خلال قوى المقاومة وفي مقدمتها حزب الله في لبنان والحشد الشعبي في العراق، دورًا محوريًا في الدفاع عن الأرض والتصدي للإرهاب، لاسيما في مواجهة تنظيم “داعش” الارهابي الذي هدد أمن المنطقة والعالم. هذا السلاح بالنسبة لهم ليس مجرد أداة قتال، بل هو حصيلة مسار طويل من التضحيات والمعارك التي ارتبطت بكرامة الأرض وسيادة القرار.
في المقابل، ترى إسرائيل في هذا السلاح تهديدًا مباشرًا لأمنها ومشاريعها، ما يدفعها إلى المطالبة، بدعم أمريكي، بتجريد هذه القوى من قدراتها. وقد شهدنا في الفترة الأخيرة تصاعدًا في المواقف الإسرائيلية، خاصة بعد أحداث وعمليات أربكت حساباتها وأظهرت قدرة الردع لدى خصومها.
أما في العراق، فقد برزت مواقف وتصريحات أمريكية وبريطانية تناولت بشكل علني قانون الحشد الشعبي وتنظيماته، وهو ما اعتبره كثيرون تدخلاً غير مقبول في الشأن الداخلي، ويمس السيادة الوطنية.
هذه التصريحات، التي تتحدث بتفاصيل دقيقة عن تشكيلات وقطعات الحشد، تثير تساؤلات حول مصادر المعلومات وآليات تداولها، في وقت يحتاج فيه العراق إلى توحيد الصف الداخلي لمواجهة التحديات.
ولا يقتصر الأمر على المواقف الرسمية، بل تظهر بين فترة وأخرى أصوات تبث الشائعات وتلوّح بأن “التغيير قادم”، في محاولة لإثارة الرأي العام وزعزعة الثقة العامة، وكأن المعلومات أصبحت حكرًا على فئة بعينها. هذه الخطابات تسهم في زيادة التوتر، بدلًا من دعم الاستقرار الذي تنشده البلاد.
إن الاستقرار الإقليمي، برأي كثير من المراقبين، لن يتحقق عبر نزع السلاح من أي طرف ما دام الاحتلال والعدوان مستمرين، بل عبر احترام القانون الدولي ووقف الانتهاكات التي تهدد الأمن والسلم. وعلى المجتمع الدولي أن يتعامل بجدية مع جذور الأزمات، بعيدًا عن ازدواجية المعايير التي تعيق أي حلول عادلة.
ويبقى السؤال الذي يفرض نفسه في ظل هذه التحولات: هل تدرك القوى الدولية أن اللعب بورقة سلاح الشيعة في المنطقة قد يفتح أبوابًا لأزمات أكبر مما تتصور؟ أم أن المخطط ماضٍ نحو إعادة رسم خرائط النفوذ حتى لو كان الثمن دماء جديدة على أرض أنهكتها الحروب؟.
بين إرادة الشعوب في الدفاع عن كرامتها، وإصرار بعض العواصم على فرض أجنداتها، يتحدد شكل المستقبل… فإما سيادة تُصان، أو فوضى تُستدعى.