مقالات
أخر الأخبار

سحابات التلوث والحلول الممكنة

كتب د. صادق كاظم: نعاني من سحابات تلوث كثيرة تملأ سماء العاصمة بغداد هذه الأيام، والسبب الطريقة غير النظامية، التي تدار بها المصانع والمعامل التي تطلق كميات كبيرة من الغازات والأبخرة السامة إلى الجو، من دون وسائل تصفية وتنظيف، فضلاً عن وجود مكبات كبيرة من النفايات تحيط بالعاصمة بغداد، وهذه عددها كبير، وهي مفتوحة على مسافات شاسعة، ويتم التخلص من أطنان النفايات فيها بطرق بدائية، تقوم على أساس الحرق، وليس بالمعالجة الصحيحة، ما تتسبب في انبعاثات للغازات السامة، التي تشكل خطراً كبيراً على حياة السكان.

تشخيص الظاهرة وحده وإلقاء اللوم المتبادل والاتهامات بالتقصير ما بين الجهات المسؤولة، ليسا حلاً منطقياً لهذه الظاهرة، التي باتت تتكرر كل عام من دون حل واقعي على الأرض، وبالتأكيد هناك وسائل عديدة ومتاحة للعلاج، لو تم إتباعها لانحسرت أو تراجعت هذه الظاهرة إلى حد كبير.

العالم بات يتعامل مع النفايات على أنها كنز ثمين، يجب استغلاله إلى أقصى حد لتوليد الطاقة الكهربائية وللحصول على منتجات ثانوية، من ضمنها الأسمدة ومواد البناء، ومنتجات أولية تستخدم في الصناعة.

وهناك دول تشتري هذه النفايات من الخارج من أجل إعادة تدويرها وتحويلها إلى منتجات مفيدة ومهمة ومصدراً مهماً للدخل الوطني، بدلاً من تركها تتراكم وتهدد حياة السكان، وهو حل مثالي أيضاً للتخلص من تهديداتها الصحية الخطيرة.

كمية النفايات اليومية، التي تطرح في العراق في المكبات تصل إلى حوالي 23 مليون طن، تقدر حصة العاصمة بغداد منها بحوالي 10 آلاف طن يومياً، واذا ما قيس هذا المعدل على مدار السنة فإن الرقم يمكن أن يصل إلى حوالي 3 ملايين طن، ولا توجد لدينا معامل متطورة لإعادة تدويرها أو لمعالجتها بشكل يسهم في التخلص منها والاستفادة منها كما تفعل بقية دول العالم، بدلاً من طرحها في العراء بهذا الشكل المكشوف والملوث، وقسم منها يقع على تماس مباشر مع الأحياء السكنية.

قدمت في السابق الكثير من المقترحات والمشاريع للحد من هذه الظاهرة، لكنها لم تتبلور إلى واقع ملموس على الأرض، وبات بالإمكان إعادة المحاولة وبشكل جدي هذه المرة مع تفاقمها وازديادها بالاستفادة من خبرات الشركات العالمية لمعالجة هذه النفايات وتخليص مدننا وبضمنها العاصمة بغداد من أخطارها، خصوصاً أنها أصبحت تشكل تهديداً خطيراً ومباشراً على حياتنا، وهي مهمة ليست بالمستحيلة أو الصعبة، لكنها تحتاج إلى القرار الحاسم والسريع بالشروع بها.

هناك العديد من الوسائل والتقنيات الممكنة والمتبعة عالميا للمعالجة، بضمنها تقنيات البلازما التي يتم فيها نقل النفايات إلى مواقع خاصة، يتم تسليط حرارة عالية جداً عليها تصل إلى حوالي 5000 درجة مئوية، ما يؤدي إلى صهرها وإذابتها بالكامل، فضلاً عن توليد حرارة عالية، تتحول إلى طاقة كهربائية لاحقاً، وكذلك استخدام تقنية الغاز الحيوي، التي تتم فيها معالجة النفايات المختلفة داخل هاضمات خاصة، تعمل على تحلل النفايات بعد تقطيعها مما ينتج عنها غازات يمكن تحويلها بعدة طرق إلى طاقة كهربائية يمكن الاستفادة منها في إنارة المدن، إضافة إلى تقنيات الطمر تحت الأرض، وسحب الغازات الناتجة عن النفايات بواسطة انابيب ومعالجتها وإعادة تحويلها أيضاً إلى طاقة كهربائية.

وهذه التقنيات بالإمكان الحصول عليها وتشغيلها في العراق للاستفادة منها ولعدة أغراض، لكن الهدف الأهم منها يكمن في الحصول على بيئة نظيفة وآمنة، إضافة إلى أنها ستسهم ولو بشكل جزئي في إنتاج لا بأس به من الطاقة الكهربائية، التي يمكن أن تضاف إلى الشبكة الوطنية وبتكاليف أقل.

الوصول إلى هذا الهدف ليس مستحيلاً أو صعباً، وهناك دول في العالم تبنت هذا الخيار لتحقيق هدف مزدوج يخلصها من النفايات أولاً، وللحصول على منتجات ثانوية يمكن تصديرها أو بيعها محلياً، ونجحت في ذلك إلى حد كبير، من خلال اتباع برامج ناجحة للجمع والمعالجة، خصوصاً وأن كميات النفايات، التي تنتج يومياً في العراق لا يستهان بها، ومن الممكن إقامة مشاريع مماثلة للتخلص منها بشكل آمن ومفيد.

والأمر لا يقتصر على النفايات فحسب، بل أيضاً على مصادر التلوث الأخرى كمصانع الطابوق التي تعمل بالنفط الأسود الملوث والخطير، حيث يجب أن تلتزم هذه المصانع بالتوقف عن استعمال هذه المادة الملوثة واستبدالها بطرق آلية نظيفة بديلة، والأمر ينطبق على باقي المصانع الأخرى، التي تحمل نفس هذه المشكلة.

طرح هذه الحلول للنقاش بات أمراً ضرورياً ومهما كانت الإجراءات الأخرى الجزئية والترقيعية متبعة فإنها لن تنقذنا من الخطر، بل إن الحل يتمثل بالعمل الجاد، مع وضع الخطط العلمية المدروسة والاستعانة بالشركات الرصينة المتخصصة، من خلال الاستثمار لمعالجة نقص التمويل الكافي مع إقامة الأحزمة الخضراء داخل المدن وخارجها، وهذه مسائل يمكن أن تعيد لنا التوازن البيئي، وتجعلنا نتنفس هواء نقياً من دون سحب ملوثة وسامة.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى